للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَطْلَقَ التَّنَاهِيَ بِصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ عَلَى نَهْيِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِاعْتِبَارِ مَجْمُوعِ الْأُمَّةِ وَأَنَّ نَاهِيَ فَاعِلِ الْمُنْكَرِ مِنْهُمْ هُوَ بِصَدَدِ أَنْ ينهاه المنهيّ عِنْد مَا يَرْتَكِبُ هُوَ مُنْكَرًا فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ التَّنَاهِي. فَالْمُفَاعَلَةُ مُقَدَّرَةٌ وَلَيْسَتْ حَقِيقِيَّةً، وَالْقَرِينَةُ عُمُومُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ فَعَلُوهُ، فَإِنَّ الْمُنْكَرَ إِنَّمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَيَسْكُتُ عَلَيْهِ الْبَعْضُ الْآخَرُ وَرُبَّمَا فَعَلَ الْبَعْضُ الْآخَرُ مُنْكَرًا آخَرَ وَسَكَتَ عَلَيْهِ الْبَعْضُ الَّذِي كَانَ فَعَلَ مُنْكَرًا قَبْلَهُ وَهَكَذَا، فَهُمْ يُصَانِعُونَ أنفسهم.

وَالْمرَاد ب مَا كانُوا يَفْعَلُونَ تَرْكُهُمُ التَّنَاهِي.

وَأَطْلَقَ عَلَى تَرْكِ التَّنَاهِي لَفْظَ الْفِعْلِ فِي قَوْلِهِ لَبِئْسَ مَا كانُوا يَفْعَلُونَ مَعَ أَنَّهُ تَرْكٌ، لِأَنَّ السُّكُوتَ عَلَى الْمُنْكَرِ لَا يَخْلُو مِنْ إِظْهَارِ الرِّضَا بِهِ وَالْمُشَارَكَةِ فِيهِ.

وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِلْقَائِلِينَ مِنْ أَئِمَّةِ الْكَلَامِ مِنَ الْأَشَاعِرَةِ بِأَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ إِلَّا بِفِعْلٍ، وَأَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ فِي النَّهْيِ فِعْلٌ، وَهُوَ الِانْتِهَاءُ، أَيِ الْكَفُّ، وَالْكَفُّ فِعْلٌ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ التَّرْكَ هُنَا فِعْلًا. وَقَدْ أَكَّدَ فِعْلَ الذَّمِّ بِإِدْخَالِ لَامِ الْقَسَمِ عَلَيْهِ لِلْإِقْصَاءِ فِي ذمّة.

[٨٠، ٨١]

[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : الْآيَات ٨٠ إِلَى ٨١]

تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (٨٠) وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٨١)

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ ذُكِرَ بِهِ حَالُ طَائِفَةٍ مِنَ الْيَهُودِ كَانُوا فِي زمن الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَظْهَرُوا

الْإِسْلَامَ وَهُمْ مُعْظَمُ الْمُنَافِقِينَ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، لِأَنَّهُ لَا يُسْتَغْرَبُ إِلَّا لِكَوْنِهِ صَادِرًا مِمَّنْ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ فَهَذَا انْتِقَالٌ لِشَنَاعَةِ الْمُنَافِقِينَ. وَالرُّؤْيَةُ فِي قَوْلِهِ تَرى بَصَرِيَّةٌ، وَالْخِطَابُ لِلرَّسُولِ. وَالْمُرَادُ ب كَثِيراً مِنْهُمْ كَثِيرٌ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ تَرى، وَذَلِكَ