وَاعْتِقَادِهِمْ أَن الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ. وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ ذِكْرَ نَبَأِ خَلْقِ آدَمَ قُصِدَ بِهِ الْإِنْذَارُ مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ.
وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ إِلَّا إِنَّمَا بِكَسْرِ هَمْزَةِ إِنَّمَا عَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ، أَيْ مَا يُوحَى إِلَّا هَذَا الْكَلَام.
[٧١- ٧٤]
[سُورَة ص (٣٨) : الْآيَات ٧١ إِلَى ٧٤]
إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٧٢) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣) إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٧٤)
مَوْقِعُ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ صَالِحٌ لِأَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافًا فَإِذَا جَعَلْنَا النَّبَأَ بِمَعْنَى نَبَأِ أَهْلِ الْمَحْشَرِ الْمَوْعُودِ بِهِ فَيَكُونُ إِذْ قالَ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: اذْكُرْ، عَلَى أُسْلُوبِ قَوْلِهِ: وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارا [النَّمْل: ٦، ٧] ، وَنَظَائِرِهِ.
فَإِمَّا عَلَى جَعْلِ النَّبَأِ بِمَعْنَى نَبَأِ خَلْقِ آدَمَ فَإِنَّ جُمْلَةَ إِذْ قالَ رَبُّكَ بَدَلٌ مِنْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [ص: ٦٩] بَدَلَ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ لِأَنَّ مُجَادَلَةَ الْمَلَأِ الْأَعْلَى عَلَى كِلَا التَّفْسِيرَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ غَيْرُ مُقْتَصِرَةٍ عَلَى قَضِيَّةِ قِصَّةِ إِبْلِيسَ، فَقَدْ
رَوَى التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ مَالِكِ بْنِ يَخَامُرَ عَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا طَوِيلًا فِي رُؤْيا النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ تَعَالَى فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي. قَالَهَا ثَلَاثًا. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ الثَّالثَةِ بَعْدَ أَنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، قُلْتُ: فِي الْكَفَّارَاتِ. قَالَ: مَا هُنَّ؟ قُلْتُ مَشْيُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْحَسَنَاتِ وَالْجُلُوس فِي الْمَسَاجِد»
. وَذَكَرَ أَشْيَاءَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ (وَلَمْ يَذْكُرِ اخْتِصَامَهُمْ فِي قَضِيَّةِ خَلْقِ آدَمَ) . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيح وَقَالَ عَن الْبُخَارِيُّ: إِنَّهُ أَصَحُّ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ الْبُخَارِيُّ فِي «صَحِيحِهِ» وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِهَذِهِ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ «التَّفْسِيرِ» لِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِيهِ بَعْضٌ مِمَّا يَخْتَصِمُ فِيهِ أَهْلُ الْمَلَأِ الْأَعْلَى مُرَادٌ بِهِ اخْتِصَامٌ خَاصٌّ هُوَ مَا جَرَى بَيْنَهُمْ فِي قِصَّةِ خَلْقِ آدَمَ وَالْمُقَاوَلَةِ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ قَالُوا كَلَامًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ أَطَاعُوا اللَّهَ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ، بَلْ وَرَدَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ تَفْصِيلُ مَا جَرَى مِنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ فَهُوَ يُبَيِّنُ مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute