للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الِانْتِصَافِ مِنَ الْمَظْلُومِ لِلظَّالِمِ بِالْأَخْذِ مِنْ حَسَنَاتِهِ وَإِعْطَائِهَا لِلْمَظْلُومِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ انْتِقَاصِ حُظُوظِهِمْ مِنَ الْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.

ومِنْ عَمَلِهِمْ مُتَعَلِّقٌ بِ مَا أَلَتْناهُمْ وَ (مِنْ) لِلتَّبْعِيضِ، وَ (مِنْ) الَّتِي فِي قَوْلِهِ: مِنْ شَيْءٍ لِتَوْكِيدِ النَّفْيِ وَإِفَادَةِ الْإِحَاطَةِ وَالشُّمُولِ لِلنَّكِرَةِ.

كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ.

جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ وَبَيْنَ جُمْلَةِ وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ [الطّور: ٢٢] ، قُصِدَ مِنْهَا تَعْلِيلُ الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَهِيَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْعُمُومِ صَالِحَةٌ لِلتَّذْيِيلِ مَعَ التَّعْلِيلِ، وكُلُّ امْرِئٍ يَعُمُّ أَهْلَ الْآخِرَةِ كُلَّهُمْ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ كُلَّ امْرِئٍ مِنَ الْمُتَّقِينَ خَاصَّةً.

وَالْمَعْنَى: انْتَفَى إِنْقَاصُنَا إِيَّاهُمْ شَيْئًا مِنْ عَمَلِهِمْ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مَقْرُونٌ بِمَا كَسَبَ وَمُرْتَهَنٌ عِنْدَهُ وَالْمُتَّقُونَ لَمَّا كَسَبُوا الْعَمَلَ الصَّالح كَانَ لَازِما لَهُمْ مُقْتَرِنًا بِهِمْ لَا يُسْلَبُونَ مِنْهُ شَيْئًا، وَالْمُرَادُ بِمَا كَسَبُوا: جَزَاءَ مَا كَسَبُوا لِأَنَّهُ الَّذِي يَقْتَرِنُ بِصَاحِبِ الْعَمَلِ وَأَمَّا نَفْسُ

الْعَمَلِ نَفْسُهُ فَقَدِ انْقَضَى فِي إِبَّانِهِ.

وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ كِنَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّ أَهْلَ الْكُفْرِ مَقْرُونُونَ بِجَزَاءِ أَعْمَالِهِمْ، وَثَانِيَتُهُمَا: أَنَّ ذُرِّيَّاتِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أُلْحِقُوا بِآبَائِهِمْ فِي النَّعِيمِ أُلْحِقُوا بِالْجَنَّةِ كَرَامَةً لِآبَائِهِمْ وَلَوْلَا تِلْكَ الْكَرَامَةُ لَكَانَتَ مُعَامَلَتُهُمْ عَلَى حَسَبِ أَعْمَالِهِمْ. وَبِهَذَا كَانَ لهَذِهِ الْجُمْلَة هُنَا وَقْعٌ أَشَدُّ حُسْنًا مِمَّا سِوَاهُ مَعَ أَنَّهَا صَارَتْ مِنْ حُسْنِ التَّتْمِيمِ.

وَالْكَسْبُ: يُطْلَقُ عَلَى مَا يحصله الْمَرْء بِعِلْمِهِ لِإِرَادَةِ نَفْعِ نَفْسِهِ.

وَرَهِينٌ: فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنَ الرَّهْنِ وَهُوَ الْحَبْس.

[٢٢، ٢٣]

[سُورَة الطّور (٥٢) : الْآيَات ٢٢ إِلَى ٢٣]

وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لَا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (٢٣)

عَطْفٌ عَلَى فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ [الطّور: ١٧] إِلَخْ.