للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْإِمْدَادُ: إِعْطَاءُ الْمَدَدِ وَهُوَ الزِّيَادَةُ مِنْ نَوْعٍ نَافِعٍ فِيمَا زِيدَ فِيهِ، أَيْ زِدْنَاهُمْ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنَ النَّعِيمِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ الْهَنِيءِ فَاكِهَةً وَلَحْمًا مِمَّا يَشْتَهُونَ مِنَ الْفَوَاكِهِ وَاللِّحُومِ الَّتِي يشتهونها، أَي ليوتي لَهُمْ بِشَيْءٍ لَا يَرْغَبُونَ فِيهِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمْ مَا اشْتَهَى.

وَخَصَّ الْفَاكِهَةَ وَاللَّحْمَ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ: يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لَا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ مَنَحَهُمُ اللَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَذَّةَ نَشْوَةِ الْخَمْرِ وَالْمُنَادَمَةِ عَلَى شُرْبِهَا لِأَنَّهَا مِنْ أَحْسَنِ اللَّذَّاتِ فِيمَا أَلِفَتْهُ نُفُوسُهُمْ، وَكَانَ أَهْلُ التَّرَفِ فِي الدُّنْيَا إِذَا شَرِبُوا الْخَمْرَ كَسَرُوا سَوْرَةَ حِدَّتِهَا فِي الْبَطْنِ بِالشِّوَاءِ مِنَ اللَّحْمِ قَالَ النَّابِغَةُ يَصِفُ قَرْنَ الثَّوْرِ:

سَفُّودُ شَرْبٍ نَسُوهُ عِنْدَ مُفْتَأَدِ وَيَدْفَعُونَ لَذْغَ الْخَمْرِ عَنْ أَفْوَاهِهِمْ بِأَكْلِ الْفَوَاكِهِ وَيُسَمُّونَهَا النُّقْلَ- بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا- وَيَكُونُ مِنْ ثِمَارٍ وَمَقَاثٍ.

وَلِذَلِكَ جِيءَ بِقَوْلِهِ: يَتَنازَعُونَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ الْغَائِبِ فِي أَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ إِلَخْ. وَالتَّنَازُعُ أُطْلِقَ عَلَى التَّدَاوُلِ وَالتَّعَاطِي. وَأَصْلُهُ تَفَاعُلٌ مِنْ نَزْعِ الدَّلْوِ مِنَ الْبِئْرِ عِنْدَ الِاسْتِقَاءِ فَإِنَّ النَّاسَ كَانُوا إِذَا وَرَدُوا لِلِاسْتِقَاءِ نزع أحدهم دلوا مِنَ الْمَاءِ ثُمَّ نَاوَلَ الدَّلْوَ لِمَنْ حَوْلَهُ وَرُبَّمَا كَانَ الرَّجُلُ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ يَنْزِعُ مِنَ الْبِئْرِ لِلْمُسْتَقِينَ كُلِّهِمْ يَكْفِيهِمْ تَعَبَ النَّزْعِ، وَيُسَمَّى الْمَاتِحَ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ.

وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَزْعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَا بِنْتي شُعَيْبٍ لَمَّا رَأَى انْقِبَاضَهُمَا عَنِ الِانْدِمَاجِ فِي الرِّعَاءِ. وَذَكَرَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رُؤْيَاهُ نَزْعَهُ عَلَى الْقَلِيبِ ثُمَّ نَزْعَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ نَزْعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ثُمَّ اسْتُعِيرَ أَوْ جُعِلَ مَجَازًا عَنِ الْمُدَاوَلَةِ وَالْمُعَاوَرَةِ فِي مُنَاوَلَةِ أَكْؤُسِ الشَّرَابِ، قَالَ الْأَعْشَى:

نَازَعْتُهُمْ قُضُبَ الرَّيْحَانِ مُتَّكِئًا ... وَخَمْرَةً مُزَّةً رَاوُوقُهَا خَضِلُ

وَالْمَعْنَى: أَنَّ بَعْضَهُمْ يَصُبُّ لِبَعْضٍ الْخَمْرَ وَيُنَاوِلُهُ إِيثَارًا وَكَرَامَةً.

وَقِيلَ: تَنَازُعُهُمُ الْكَأْسَ مُجَاذَبَةُ بَعْضِهِمْ كَأْسَ بَعْضٍ إِلَى نَفْسِهِ لِلْمُدَاعَبَةِ كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ فِي الْمُدَاعَبَةِ عَلَى الطَّعَامِ: