اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُنْوَانِهِ الْأَعَمِّ وَهُوَ كَوْنُهُ كِتَابًا، لِأَنَّهُمْ
حِينَ جادلوا مَا جالوا إِلَّا فِي كِتَابٍ فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ [الْأَنْعَام: ١٥٧] وَلِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ مَا عِنْدَ الْأُمَمِ الْآخَرِينَ بِعُنْوَانِ «كِتَابٍ» ، وَيَعْرِفُونَهُمْ بِعُنْوَانِ «أَهْلِ الْكِتَابِ» .
فَأَمَّا عُنْوَانُ «الْقُرْآنِ» فَهُوَ مُنَاسِبٌ لِكَوْنِ الْكِتَابِ مَقْرُوءًا مدروسا وَإِنَّمَا يقرأه وَيَدْرُسُهُ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ. وَلِذَلِكَ قُدِّمَ عُنْوَانُ «الْقُرْآنِ» فِي سُورَةِ النَّمْلِ كَمَا سَيَأْتِي.
والمبين: اسْم فَاعل مِنْ أَبَانَ الْقَاصِرُ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى بَانَ مُبَالَغَةً فِي ظُهُورِهِ، أَيْ ظُهُورِ قُرْآنِيَّتِهِ الْعَظِيمَةِ، أَيْ ظُهُورِ إِعْجَازِهِ الَّذِي تَحَقَّقَهُ الْمُعَانِدُونَ وَغَيْرُهُمْ.
وَإِنَّمَا لَمْ نَجْعَلِ الْمُبِينَ بِمَعْنَى أَبَانَ الْمُتَعَدِّي لِأَنَّ كَوْنَهُ بَيِّنًا فِي نَفْسِهِ أَشَدُّ فِي تَوْبِيخِ مُنْكِرِيهِ مِنْ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ مُظْهِرٌ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ. وَسَيَجِيءُ قَرِيبٌ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ فِي أَوَّلِ سُورَة النَّمْل.
[٢]
[سُورَة الْحجر (١٥) : آيَة ٢]
رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (٢)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ وَهُوَ مُفْتَتَحُ الْغَرَضِ وَمَا قَبْلَهُ كَالتَّنْبِيهِ وَالْإِنْذَارِ.
ورُبَما مُرَكَّبَةٌ مِنْ (رُبَ) . وَهُوَ حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى تَنْكِيرِ مَدْخُولِهِ وَيَجُرُّ وَيَخْتَصُّ بِالْأَسْمَاءِ. وَهُوَ بِتَخْفِيفِ الْبَاءِ وَتَشْدِيدِهَا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ. وَفِيهَا عِدَّةُ لُغَاتٍ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ وَعَاصِمٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ بِتَخْفِيفِ الْبَاءِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِتَشْدِيدِهَا.
وَاقْتَرَنَتْ بِهَا (مَا) الْكَافَّةُ لِ (رُبَّ) عَنِ الْعَمَلِ. وَدُخُولُ (مَا) بَعْدَ (رُبَّ) يَكُفُّ عَمَلَهَا غَالِبًا. وَبِذَلِكَ يَصِحُّ دُخُولُهَا عَلَى الْأَفْعَالِ. فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَى الْفِعْلِ فَالْغَالِبُ أَنْ يُرَادَ بِهَا التَّقْلِيلُ.