للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَطَفَ وَقُرْآنٍ عَلَى الْكِتابِ لِأَنَّ اسْمَ الْقُرْآنِ جُعِلَ عَلَمًا عَلَى مَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْإِعْجَازِ وَالتَّشْرِيعِ، فَهُوَ الِاسْمُ الْعَلَمُ لِكِتَابِ الْإِسْلَامِ مِثْلُ اسْمِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ لِلْكُتُبِ الْمُشْتَهِرَةِ بِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ.

فَاسْمُ الْقُرْآنِ أَرْسَخُ فِي التَّعْرِيفِ بِهِ مِنَ الْكِتَابِ لِأَنَّ الْعَلَمَ الْأَصْلِيَّ أَدْخَلُ فِي تَعْرِيفِ الْمُسَمَّى مِنَ الْعَلَمِ بِالْغَلَبَةِ، فَسَوَاءٌ نُكِّرَ لَفْظُ الْقُرْآنِ أَوْ عُرِّفَ بِاللَّامِ فَهُوَ عَلَمٌ عَلَى كِتَابِ الْإِسْلَامِ. فَإِنْ نُكِّرَ فَتَنْكِيرُهُ عَلَى أَصْلِ الْأَعْلَامِ، وَإِنْ عُرِّفَ فَتَعْرِيفُهُ لِلَمْحِ الْأَصْلِ قَبْلَ الْعَلَمِيَّةِ كَتَعْرِيفِ الْأَعْلَامِ الْمَنْقُولَةِ مِنْ أَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ لِأَنَّ «الْقُرْآنَ» مَنْقُولٌ مِنَ الْمَصْدَرِ الدَّالِّ عَلَى الْقِرَاءَةِ، أَيِ الْمَقْرُوءِ الَّذِي إِذا قرىء فَهُوَ مُنْتَهَى الْقِرَاءَةِ.

وَفِي التَّسْمِيَةِ بِالْمَصْدَرِ مِنْ مَعْنَى قُوَّةِ الِاتِّصَافِ بِمَادَّةِ الْمَصْدَرِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ.

وَلِلْإِشَارَةِ إِلَى مَا فِي كُلٍّ مِنَ الْعَلَمَيْنِ مِنْ مَعْنًى لَيْسَ فِي الْعَلَمِ الْآخَرِ حَسُنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَطْفِ، وَهُوَ مِنْ عَطْفِ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِعَطْفِ التَّفْسِيرِ لِأَنَّ «قُرْآنٍ» بِمَنْزِلَةِ عَطْفِ الْبَيَانِ مِنْ «كِتَابٍ» وَهُوَ شَبِيهٌ بِعَطْفِ الصِّفَةِ عَلَى الْمَوْصُوفِ وَمَا هُوَ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ أَشْبَهَهُ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ مَتْبُوعٌ بِوَصْفٍ وَهُوَ مُبِينٍ. وَهَذَا كُلُّهُ اعْتِبَارٌ بِالْمَعْنَى.

وَابْتُدِئَ بِالْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ لِمَا فِي التَّعْرِيفِ مِنْ إِيذَانٍ بِالشُّهْرَةِ وَالْوُضُوحِ وَمَا فِيهِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنَى الْكَمَالِ، وَلِأَنَّ الْمُعَرَّفَ هُوَ أَصْلُ الْإِخْبَارِ وَالْأَوْصَافِ. ثُمَّ جِيءَ بِالْمُنَكَّرِ لِأَنَّهُ أُرِيدَ وَصْفُهُ بِالْمُبِينِ، وَالْمُنَكَّرُ أَنْسَبُ بِإِجْرَاءِ الْأَوْصَافِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ التَّنْكِيرَ يَدُلُّ عَلَى التَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ، فَوُزِّعَتِ الدَّلَالَتَانِ عَلَى نُكْتَةِ التَّعْرِيفِ وَنُكْتَةِ التَّنْكِيرِ.

فَأَمَّا تَقْدِيمُ الْكِتَابِ عَلَى الْقُرْآنِ فِي الذِّكْرِ فَلِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ تَوْبِيخُ الْكَافِرِينَ وَتَهْدِيدُهُمْ بِأَنَّهُمْ سَيَجِيءُ وَقْتٌ يَتَمَنَّوْنَ فِيهِ أَنْ لَوْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ. فَلَمَّا كَانَ الْكَلَامُ مُوَجَّهًا إِلَى الْمُنْكِرِينَ نَاسَبَ أَنْ يَسْتَحْضِرَ الْمُنَزَّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى