وَإِنْ حُمِلَ الْعُمُومُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَزِمَ تَأْوِيلُ فِعْلِ سَبَّحَ بِمَا يَشْمَلُ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ فَيَكُونُ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ.
وَالْعَزِيزُ: الَّذِي لَا يُغْلَبُ، وَهَذَا الْوَصْفُ يَنْفِي وُجُودَ الشَّرِيكِ فِي الْإِلَهِيَّةِ.
والْحَكِيمُ الْمَوْصُوفُ بِالْحِكْمَةِ، وَهِيَ وَضْعُ الْأَفْعَالِ حَيْثُ يَلِيقُ بِهَا، وَهِيَ أَيْضًا الْعِلْمُ الَّذِي لَا يخطىء وَلَا يَتَخَلَّفُ وَلَا يَحُولُ دُونَ تَعَلُّقِهِ بِالْمَعْلُومَاتِ حَائِلٌ، وَتَقَدَّمَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. وَهَذَا الْوَصْفُ يُثْبِتُ أَنَّ أَفْعَالَهُ تَعَالَى جَارِيَةٌ عَلَى تَهْيِئَةِ الْمَخْلُوقَاتِ لِمَا بِهِ إِصَابَةُ مَا خُلِقَتْ لِأَجْلِهِ، فَلِذَلِكَ عَزَّزَهَا اللَّهُ بِإِرْشَادِهِ بِوَاسِطَة الشَّرَائِع.
[٢]
[سُورَة الْحَدِيد (٥٧) : آيَة ٢]
لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ بِذِكْرِ صِفَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ الَّتِي مُتَعَلِّقُهَا أَحْوَالُ الْكَائِنَاتِ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَخَاصَّةً أَهْلُ الْإِدْرَاكِ مِنْهُمْ.
وَمَضْمُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ يُؤْذِنُ بِتَعْلِيلِ تَسْبِيحِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ مَنْ لَهُ مُلْكُ الْعَوَالِمِ الْعُلْيَا وَالْعَالَمِ الدُّنْيَوِيِّ حَقِيقٌ بِأَنْ يَعْرِفَ النَّاسُ صِفَاتِ كَمَالِهِ.
وَأَفَادَ تَعْرِيفُ الْمُسْنَدِ قَصْرَ الْمُسْنَدِ عَلَى الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ وَهُوَ قَصْرٌ ادعائي لعدم الِاعْتِدَاد
بِمُلْكِ غَيْرِهِ فِي الْأَرْضِ إِذْ هُوَ مُلْكٌ نَاقِصٌ فَإِن الْمُلُوك مفتقرون إِلَى مَنْ يَدْفَعُ عَنْهُمُ الْعَوَادِي بِالْأَحْلَافِ وَالْجُنْدِ، وَإِلَى مَنْ يُدَبِّرُ لَهُمْ نِظَامَ الْمَمْلَكَةِ مِنْ وُزَرَاءَ وَقُوَّادٍ، وَإِلَى أَخْذِ الْجِبَايَةِ وَالْجِزْيَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ هُوَ قَصْرٌ حَقِيقِيٌّ، إِذَا اعْتُبِرَتْ إِضَافَةُ مُلْكُ إِلَى مَجْمُوعِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَا مُلْكَ لِمَالِكٍ عَلَى الْأَرْضِ كُلِّهَا بَلْهَ السَّمَاوَاتُ مَعَهَا.
وَهَذَا مَعْنَى صِفَتِهِ تَعَالَى «الْمَلِكُ» ، وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ.
وَجُمْلَةُ يُحْيِي وَيُمِيتُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ مَضْمُونِ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute