وَالْأَوْهَامِ الَّتِي تَعَلَّقُوا بِهَا، وَمَا صَلُحَتْ بَعْضُ أُمُورِهِمْ إِلَّا فِيمَا حَاكَوْهُ مِنْ أَحْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَسْبَابِ نُهُوضِهِمْ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إِظْهَارِهِ عَلَى الْأَدْيَانِ أَنْ تَنْقَرِضَ تِلْكَ الْأَدْيَانُ.
ولَوْ فِي وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ وَصَلْيَةٌ مِثْلَ الَّتِي فِي نَظِيرَتِهَا. وَذُكِرَ الْمُشْرِكُونَ هُنَا لِأَنَّ ظُهُورَ دِينِ الْإِسْلَامِ أَشَدُّ حَسْرَةٍ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ، لأنّهم الَّذين ابتدأوا بِمُعَارَضَتِهِ وَعَدَاوَتِهِ وَدَعَوُا الْأُمَمَ لِلتَّأَلُّبِ عَلَيْهِ وَاسْتَنْصَرُوا بِهِمْ فَلَمْ يُغْنُوا عَنْهُمْ شَيْئًا، وَلِأَنَّ أَتَمَّ مَظَاهِرِ انْتِصَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَهِيَ دِيَارُ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ غَلَبَ عَلَيْهَا، وَزَالَتْ مِنْهَا جَمِيعُ الْأَدْيَانِ الْأُخْرَى، وَقَدْ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَبْقَى دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ»
فَلِذَلِكَ كَانَتْ كَرَاهِيَةُ الْمُشْرِكِينَ ظُهُورَهُ مَحِلَّ الْمُبَالِغَةِ فِي أَحْوَالِ إِظْهَارِهِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ.
[٣٤]
[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ٣٤]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٤)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ.
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ لِتَنْبِيهِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى نَقَائِصِ أَهْلِ الْكِتَابِ، تَحْقِيرًا لَهُمْ فِي نُفُوسِهِمْ، لِيَكُونُوا أَشِدَّاءَ عَلَيْهِمْ فِي مُعَامَلَتِهِمْ، فَبَعْدَ أَنْ ذَكَرَ تَأْلِيهَ عَامَّتِهِمْ لِأَفَاضِلَ مِنْ أَحْبَارِهِمْ وَرُهْبَانِهِمُ الْمُتَقَدِّمِينَ: مِثْلَ عُزَيْرَ، بَيَّنَ لِلْمُسْلِمِينَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَيْسُوا عَلَى حَالِ كَمَالٍ، وَلَا يَسْتَحِقُّونَ الْمَقَامَ الدِّينِيَّ الَّذِي يَنْتَحِلُونَهُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا التَّنْبِيهِ أَنْ يعلم الْمُسلمُونَ تمالئ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، عَلَى الضَّلَالِ وَعَلَى مُنَاوَاةِ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّ غَرَضَهُمْ مِنْ ذَلِكَ حُبُّ الْخَاصَّةِ الِاسْتِيثَارُ بِالسِّيَادَةِ، وَحُبُّ الْعَامَّةِ الِاسْتِيثَارُ بِالْمَزِيَّةِ بَيْنَ الْعَرَبِ.
وَافْتِتَاحُ الْجُمْلَةِ بِالنِّدَاءِ وَاقْتِرَانُهَا بِحَرْفَيِ التَّأْكِيدِ، لِلِاهْتِمَامِ بِمَضْمُونِهَا وَرَفْعِ احْتِمَالِ الْمُبَالَغَةِ فِيهِ لِغَرَابَتِهِ.
وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ آنِفًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute