الْقَهْرِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَمْلُوكِ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: فَمَا ظَنُّكُمْ مَاذَا يَفْعَلُ بِكُمْ مِنْ عِقَابٍ عَلَى كُفْرَانِهِ وَهُوَ مَالِكُكُمْ وَمَالِكُ الْعَالَمِينَ.
وَأَمَّا جَوَازُ اعْتِبَارِ حَقِيقَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَكُنْهِهِ. فَالتَّقْدِيرُ فِيهِ: فَمَا ظَنُّكُمْ بِكُنْهِ الرُّبُوبِيَّةِ فَإِنَّكُمْ جَاهِلُونَ الصِّفَاتِ الَّتِي تَقْتَضِيهَا وَفِي مقدمتها الوحدانية.
[٨٨- ٩٦]
[سُورَة الصافات (٣٧) : الْآيَات ٨٨ إِلَى ٩٦]
فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٩١) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (٩٢)
فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (٩٣) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (٩٤) قالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦)
مُفَرَّعٌ عَلَى جُمْلَةِ إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ [الصافات: ٨٥] تَفْرِيعُ قِصَصٍ بِعَطْفِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْجُمَلِ الْمُتَعَاطِفَةِ بِالْفَاءَاتِ هُوَ الْإِفْضَاءُ إِلَى قَوْلِهِ فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ وَأَمَّا مَا قَبْلَهَا فَتَمْهِيدٌ لَهَا وَبَيَانُ كَيْفِيَّةِ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَصْنَامِهِمْ وَكَسْرِهَا لِيَظْهَرَ لِعَبَدَتِهَا
عَجْزُهَا.
وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي «تَفْسِيرِهِ» «قَالَ قَتَادَةُ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِمَنْ تَفَكَّرَ: نَظَرَ فِي النُّجُومِ، يَعْنِي قَتَادَةُ: أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ مُتَفَكِّرًا فِيمَا يُلْهِيهِمْ بِهِ» اه. وَفِي «تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ» عَنِ الْخَلِيلِ وَالْمُبَرِّدِ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا فَكَّرَ فِي شَيْءٍ يُدَبِّرُهُ: نَظَرَ فِي النُّجُومِ، أَيْ أَنَّهُ نَظَرَ فِي النُّجُومِ، مِمَّا جَرَى مَجْرَى الْمَثَلِ فِي التَّعْبِيرِ عَنِ التَّفْكِيرِ لِأَنَّ الْمُتَفَكِّرَ يَرْفَعُ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ بِالْمَرْئِيَّاتِ فَيَخْلُوَ بِفِكْرِهِ لِلتَّدَبُّرِ فَلَا يَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّهُ نَظَرَ فِي النُّجُومِ وَهِيَ طَالِعَةٌ لَيْلًا بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ نَظَرَ لِلسَّمَاءِ الَّتِي هِيَ قَرَارُ النُّجُومِ وَذِكْرُ النُّجُومِ جَرَى عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ كَلَامِهِمْ.
وَجَنَحَ الْحَسَنُ إِلَى تَأْوِيلِ مَعْنَى النُّجُومِ بِالْمَصَدَرِ أَنَّهُ نَظَرَ فِيمَا نَجَمَ لَهُ مِنَ الرَّأْيِ، يَعْنِي أَنَّ النُّجُومَ مَصْدَرُ نَجَمَ بِمَعْنَى ظَهَرَ.
وَعَنْ ثَعْلَبٍ: نَظَرَ هُنَا تَفَكَّرَ فِيمَا نَجَمَ مِنْ كَلَامِهِمْ لَمَّا سَأَلُوهُ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُمْ إِلَى عِيدِهِمْ لِيُدَبِّرَ حُجَّةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute