للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأَفْهَامِ، وَهُوَ الْعِلْمُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْفِقْهِ، أَيْ إِدْرَاكِ الْأَشْيَاءِ الْخَفِيَّةِ، أَيْ فَآثَرُوا نِعْمَةَ الدَّعَةِ عَلَى سُمْعَةِ الشُّجَاعَةِ وَعَلَى ثَوَابِ الْجِهَادِ إِذْ لَمْ يُدْرِكُوا إِلَّا الْمَحْسُوسَاتِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُونُوا فَاقِهِينَ وَذَلِكَ أَصْلُ جَمِيعِ الْمَضَارِّ فِي الدَّارَيْنِ.

وَجِيءَ فِي إِسْنَادِ نَفْيِ الْفَقَاهَةِ عَنْهُمْ بِالْمُسْنَدِ الْفِعْلِيِّ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَقَوِّي الْخَبَرِ وَتَحْقِيقِ نِسْبَتِهِ إِلَى الْمُخْبَرِ عَنْهُمْ وتمكّنه مِنْهُم.

[٨٨]

[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ٨٨]

لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨)

افْتِتَاحُ الْكَلَامِ بِحَرْفِ الِاسْتِدْرَاكِ يُؤْذِنُ بِأَنَّ مَضْمُونَ هَذَا الْكَلَامِ نَقِيضُ مَضْمُونِ الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ أَصْلًا وَتَفْرِيعًا. فَلَمَّا كَانَ قُعُودُ الْمُنَافِقِينَ عَنِ الْجِهَادِ مُسَبَّبًا عَلَى كُفْرِهِمْ بِالرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى الضِّدِّ مِنْ ذَلِكَ. وَابْتُدِئَ وَصْفُ أَحْوَالِهِمْ بِوَصْفِ حَالِ الرَّسُولِ لِأَنَّ تَعَلُّقَهُمْ بِهِ وَاتِّبَاعَهُمْ إِيَّاهُ هُوَ أَصْلُ كَمَالِهِمْ وَخَيْرِهِمْ، فَقِيلَ: لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا.

وَقَوْلُهُ: بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ مُقَابِلُ قَوْلِهِ: اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ [التَّوْبَة:

٨٦] .

وَقَوْلُهُ: وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ: وَطُبِعَ عَلى

قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ

[التَّوْبَة: ٨٧] كَمَا تَقَدَّمَ.

وَفِي حَرْفِ الِاسْتِدْرَاكِ إِشَارَةٌ إِلَى الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ نُصْرَةِ الْمُنَافِقِينَ بِنُصْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ الرَّسُولَ كَقَوْلِهِ: فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ [الْأَنْعَام: ٨٩] .

وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَى الْجِهَادِ بِالْأَمْوَالِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ [التَّوْبَة: ٤١] .

وَفِي قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ الَّذِينَ لَمْ يُجَاهِدُوا دُونَ عُذْرٍ لَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ.