للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَطَفَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ عَلَى وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ لِلْمُقَابَلَةِ بَيْنَ الْحَالَيْنِ زِيَادَةً فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّنْفِيرِ.

وَالْكَلَامُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ وَمَا أَحْوَال الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ.

وَالْحَصْرُ ادِّعَائِيٌّ بِاعْتِبَارِ غَالِبِ أَحْوَالِ الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَالِبِ طَالِبِيهَا، فَكَوْنُهَا مَتَاعًا أَمْرٌ مُطَّرِدٌ وَكَوْنُ الْمَتَاعِ مُضَافًا إِلَى الْغُرُورِ أَمْرٌ غَالِبٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا عَدَا الْأَعْمَالِ الْعَائِدَةِ عَلَى الْمَرْءِ بِالْفَوْزِ فِي الْآخِرَةِ.

وَالْغُرُورُ: الْخَدِيعَةُ، أَيْ إِظْهَارُ الْأَمْرِ الضَّارِّ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَحْتَرِزَ الْعَاقِلُ مِنْهُ فِي صُورَةِ النَّافِعِ الَّذِي يَرْغَبُ فِيهِ.

وَإِضَافَةُ مَتاعُ إِلَى الْغُرُورِ عَلَى مَعْنَى لَامِ الْعَاقِبَةِ، أَيْ مَتَاعٌ صَائِرٌ لِأَجْلِ الْغُرُورِ بِهِ، أَيْ آيِلٌ إِلَى أَنَّهُ يَغُرُّ النَّاظِرِينَ إِلَيْهِ فَيُسْرِعُونَ فِي التَّعَلُّق بِهِ.

[٢١]

[سُورَة الْحَدِيد (٥٧) : آيَة ٢١]

سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢١)

فَذْلَكَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ [الْحَدِيد: ١٢] إِلَى هُنَا فَذَلِكَ مَسُوقُ مَسَاقَ التَّرْغِيبِ فِيمَا بِهِ تَحْصِيلُ نَعِيمِ الْآخِرَةِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ فَوَاتِهِ وَمَا يَصْرِفُ عَنْهُ مِنْ إِيثَارِ زِينَةِ الدُّنْيَا، وَلِذَلِكَ فُصِلَتِ الْجُمْلَةُ وَلَمْ تُعْطُفْ، وَاقْتَصَرَ فِي الْفَذْلَكَةِ عَلَى الْجَانِبِ الْمَقْصُودِ تَرْغِيبُهُ دُونَ التَّعَرُّضِ إِلَى الْمُحَذَّرِ مِنْهُ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ.

وَعَبَّرَ عَنِ الْعِنَايَةِ والاهتمام بِفعل السَّابِقَة لِإِلْهِابِ النُّفُوسِ بِصَرْفِ الْعِنَايَةِ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ مِنَ الْفَضَائِلِ كَفِعْلِ مَنْ يُسَابِقُ غَيْرَهُ إِلَى غَايَةٍ فَهُوَ يَحْرِصُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُجَلِّي، وَلِأَنَّ الْمُسَابَقَةَ كِنَايَةٌ عَنِ الْمُنَافَسَةِ، أَيْ وَاتْرُكُوا الْمُقْتَصِرِينَ عَلَى مَتَاعِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْأُخْرَيَاتِ وَالْخَوَالِفِ.