وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ (يُرَدُّونَ) وَ (يَعْمَلُونَ) بِيَاءِ الْغَيْبَةِ، وَقَرَأَ عَاصِمٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ (تُرَدُّونَ) بِتَاءِ
الْخِطَابِ نَظَرًا إِلَى مَعْنَى (مَنْ) وَإِلَى قَوْلِهِ (مِنْكُمْ) ، وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَيَعْقُوبُ: (يَعْمَلُونَ) بِيَاءِ الْغَيْبَةِ وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِتَاءِ الْخِطَابِ.
وَقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُعَاقِبُ الْحَائِدِينَ عَنِ الطَّرِيقِ بِعُقُوبَاتٍ فِي الدُّنْيَا وَعُقُوبَاتٍ فِي الْآخِرَةِ.
وَقَدْ وَقَعَ اسْمُ الْإِشَارَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا مَوْقِعَ نَظِيرِهِ فِي قَوْلِهِ:
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: ٥] .
وَالْقَوْلُ فِي اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ كَالْقَوْلِ فِي: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى [الْبَقَرَة: ١٦] . وَالْقَوْلُ فِي فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ قَرِيبٌ مِنَ الْقَوْلِ فِي وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ.
وَمُوقِعُ الْفَاءِ فِي قَوْلِهِ: فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ هُوَ الترتب لِأَنَّ الْمُجْرِمَ بِمِثْلِ هَذَا الْجُرْمِ الْعَظِيمِ يُنَاسِبُهُ الْعَذَابُ الْعَظِيمُ وَلَا يَجِدُ نَصِيرًا يَدْفَعُ عَنْهُ أَو يُخَفف.
[٨٧]
[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٨٧]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (٨٧)
انْتِقَالٌ مِنَ الْإِنْحَاءِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي فِعَالِهِمْ مَعَ الرَّسُولِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَا قَابَلُوهُ بِهِ مِنِ الْعِصْيَانِ وَالتَّبَرُّمِ وَالتَّعَلُّلِ فِي قَبُولِ الشَّرِيعَةِ وَبِمَا خَالَفُوا مِنْ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ بَعْدَ مَوْتِهِ إِلَى قُرْبِ مَجِيءِ الْإِسْلَامِ إِلَى الْإِنْحَاءِ عَلَيْهِمْ بِسُوءِ مُقَابَلَتِهِمْ لِلرُّسُلِ الَّذِينَ أَتَوْا بَعْدَ مُوسَى مِثْلَ يُوشَعَ وإلياس وأرمياء وداوود مُؤَيِّدِينَ لِشَرِيعَتِهِ وَمُفَسِّرِينَ وَبَاعِثِينَ لِلْأُمَّةِ عَلَى تَجْدِيدِ الْعَمَلِ بِالشَّرِيعَةِ مَعَ تَعَدُّدِ هَؤُلَاءِ الرُّسُلِ وَاخْتِلَافِ مَشَارِبِهِمْ فِي الدَّعْوَةِ لِذَلِكَ الْمَقْصِدِ مَنْ لِينٍ وَشِدَّةٍ، وَمِنْ رَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ، ثُمَّ جَاءَ عِيسَى مُؤَيِّدًا وَنَاسِخًا وَمُبَشِّرًا فَكَانَتْ مُقَابَلَتُهُمْ لِأُولَئِكَ كُلِّهِمْ بِالْإِعْرَاضِ وَالِاسْتِكْبَارِ وَسُوءِ الصَّنِيعِ وَتِلْكَ أَمَارَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا يُعْرِضُونَ عَنِ الْحَقِّ لِأَجْلِ مُخَالَفَةِ الْحَقِّ أَهْوَاءَهُمْ وَإِلَّا فَكَيْفَ لَمْ يَجِدُوا فِي خِلَالِ هَاتِهِ الْعُصُورِ وَمِنْ بَيْنِ تِلْكَ الْمَشَارِبِ مَا يُوَافِقُ الْحَقَّ وَيَتَمَحَّضُ لِلنُّصْحِ. وَإِنَّ قَوْمًا هَذَا دَأْبُهُمْ يَرِثُهُ الْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ لَجَدِيرُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute