للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اقْتَضَتْهُ الِاسْتِجَابَةُ وَكَشْفُ السُّوءِ مِنْ كَثْرَةِ الدَّاعِينَ وَالْمُسْتَائِينَ عُبِّرَ فِي أَفْعَالِ الْجَعْلِ الَّتِي تَعَلَّقَتْ بِهَا بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الدَّالِّ عَلَى التَّجَدُّدِ بِخِلَافِ أَفْعَالِ الْجَعْلِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا.

ثُمَّ اسْتُؤْنِفَ عَقِبَ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ بِاسْتِفْهَامٍ إِنْكَارِيٍّ تَكْرِيرًا لِمَا تَقَدَّمَ عَقِبَ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ زِيَادَةً فِي تَعْدَادِ خَطَئِهِمْ بِقَوْلِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ.

وَانْتَصَبَ قَلِيلًا عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَيْ فَعَلَ ذَلِكَ لَكُمْ وَأَنْتُمْ فِي حَالِ قِلَّةِ تَذَكُّرِكُمْ، فَتُفِيدُ الْحَالُ مَعْنَى التَّعَجُّبِ مِنْ حَالِهِمْ.

وَالتَّذَكُّرُ: مِنَ الذُّكْرِ بِضَمِّ الذَّالِ وَهُوَ ضِدُّ النِّسْيَانِ فَهُوَ اسْتِحْضَارُ الْمَعْلُومِ، أَيْ قَلِيلًا اسْتِحْضَارُكُمُ الِافْتِقَارَ إِلَى اللَّهِ وَمَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنْ إِنْعَامِهِ فَتَهْتَدُوا بِأَنَّهُ الْحَقِيقُ بِأَنْ لَا تُشْرِكُوا مَعَهُ غَيْرَهُ. فَالْمَقْصُودُ مِنَ التَّذَكُّرِ التَّذَكُّرُ الْمُفِيدُ اسْتِدْلَالًا. وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ وَالْمَصْدَرُ هُوَ فَاعِلُ قَلِيلًا.

وَالْقَلِيلُ هُنَا مُكَنًّى بِهِ عَنِ الْمَعْدُومِ لِأَنَّ التَّذَكُّرَ الْمَقْصُودَ مَعْدُومٌ مِنْهُمْ، وَالْكِنَايَةُ بِالْقَلِيلِ عَنِ الْمَعْدُومِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي كَلَامِهِمْ. وَهَذِهِ الْكِنَايَةُ تَلْمِيحٌ وَتَعْرِيضٌ، أَيْ إِنْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَ فَإِنَّ تَذَكُّرَكُمْ قَلِيلٌ.

وَأَصْلُ تَذَكَّرُونَ تَتَذَكَّرُونَ فأدغمت تَاء التفعل فِي الذَّالِ لِتَقَارُبِ مَخْرَجَيْهِمَا تَخْفِيفًا وَهُوَ إِدْغَامٌ سَمَاعِيٌّ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ تَذَكَّرُونَ بِتَاءِ الْخِطَابِ. وَقَرَأَهُ رَوْحٌ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَهُشَامٌ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ عَلَى الِالْتِفَاتِ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ، فَفِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ نُكْتَةُ تَوْجِيهِ الْخِطَابِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مُكَافَحَةً لَهُمْ، وَفِي قِرَاءَةِ رَوْحٍ وَهُشَامٍ نُكْتَةُ الْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ لِأَنَّهُمُ اسْتَأْهَلُوا الْإِعْرَاضَ بعد تذكرهم.

[٦٣]

[سُورَة النَّمْل (٢٧) : آيَة ٦٣]

أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٣)

(بَلْ) لِإِضْرَابِ الِانْتِقَالِ مِنْ نَوْعِ دَلَائِلِ التَّصَرُّفِ فِي أَحْوَالِ عَامَّةِ النَّاسِ إِلَى