للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : آيَة ٧٣]

وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (٧٣)

حِكَايَةُ فَنٍّ مِنْ أَفَانِينِ ضَلَالِهِمْ وَعَمَاهُمْ فِي الدُّنْيَا، فَالْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى [الْإِسْرَاء: ٧٢] ، وَهُوَ انْتِقَالٌ مِنْ وَصْفِ حَالِهِمْ وَإِبْطَالِ مَقَالِهِمْ فِي تَكْذِيب النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذِكْرِ حَالٍ آخَرَ مِنْ حَالِ مُعَارَضَتِهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ، وَهِيَ حَالُ طَمَعِهِمْ فِي أَنْ يستنزلوا النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنْ يَقُولَ قَوْلًا فِيهِ حُسْنُ ذِكْرٍ لَآلِهَتِهِمْ لِيَتَنَازَلُوا إِلَى مُصَالَحَتِهِ وَمُوَافَقَتِهِ إِذَا وَافَقَهُمْ فِي بَعْضِ مَا سَأَلُوهُ.

وَضَمَائِرُ الْغَيْبَةِ مُرَادٌ مِنْهَا كُفَّارُ قُرَيْش، أَي متولوا تَدْبِيرِ أُمُورِهِمْ.

وَغَيْرُ الْأُسْلُوبِ مِنْ خِطَابِهِمْ فِي آيَاتِ رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ [الْإِسْرَاء: ٦٦] إِلَى الْإِقْبَالِ عَلَى خطاب النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَغَيُّرِ الْمَقَامِ مِنْ مَقَامِ اسْتِدْلَالٍ إِلَى مَقَامِ امْتِنَانٍ.

وَالْفَتْنُ وَالْفُتُونُ: مُعَامَلَةٌ يَلْحَقُ مِنْهَا ضُرُّ وَاضْطِرَابُ النَّفْسِ فِي أَنْوَاعٍ مِنَ الْمُعَامَلَةِ يَعْسُرُ دَفْعُهَا، مِنْ تَغَلُّبٍ عَلَى الْقُوَّةِ وَعَلَى الْفِكْرِ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَة [١٩١] .

وعدي لَيَفْتِنُونَكَ بِحَرْفِ (عَنْ) لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى فِعْلٍ كَانَ الْفَتْنُ لِأَجْلِهِ، وَهُوَ مَا فِيهِ

مَعْنَى (يَصْرِفُونَكَ) .

وَالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْهِ هُوَ الْقُرْآنُ.

هَذَا هُوَ الْوَجْهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ بِمَا تُعْطِيهِ مَعَانِي تَرَاكِيبِهَا مَعَ مُلَاحَظَةِ مَا تَقْتَضِيهِ أَدِلَّةُ عصمَة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنْ تَتَطَرَّقَ إِلَيْهِ خَوَاطِرُ إِجَابَةِ الْمُشْرِكِينَ لِمَا يَطْمَعُونَ.