[سُورَة نوح (٧١) : آيَة ٢٨]
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَباراً (٢٨)
جَعَلَ الدُّعَاءَ لِنَفْسِهِ وَوَالِدَيْهِ خَاتِمَةَ مُنَاجَاتِهِ فَابْتَدَأَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ بِأَقْرَبِ النَّاسِ بِهِ وهما وَالِده، ثُمَّ عَمَّمَ أَهْلَهَ وَذَوِيهِ الْمُؤْمِنِينَ فَدَخَلَ أَوْلَادُهُ وَبَنُوهُمْ وَالْمُؤْمِنَاتُ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ وَعَبَّرَ عَنْهُمْ بِمَنْ دَخَلَ بَيْتَهَ كِنَايَةً عَنْ سُكْنَاهُمْ مَعَهُ، فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: دَخَلَ بَيْتِيَ دُخُولٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ الدُّخُولُ الْمُتَكَرِّرُ الْمُلَازِمُ. وَمِنْهُ سُمِّيَتْ بِطَانَةُ الْمَرْءِ دَخِيلَتُهُ وَدُخْلَتُهُ، ثُمَّ عَمَّمَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، ثُمَّ عَادَ بِالدُّعَاءِ عَلَى الْكَفَرَةِ بِأَنْ يَحْرِمَهُمُ اللَّهُ النَّجَاحَ وَهُوَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا [نوح: ٢٤] .
وَالتَّبَارُ: الْهَلَاكُ وَالْخَسَارُ، فَهُوَ تَخْصِيصٌ لِلظَّالِمِينَ مِنْ قَوْمِهِ بِسُؤَالِ اسْتِئْصَالِهِمْ بَعْدَ أَنْ شَمَلَهُمْ وَغَيْرَهُمْ بِعُمُومِ قَوْلِهِ: لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [نوح: ٢٦] حِرْصًا عَلَى سَلَامَةِ الْمُجْتَمَعِ الْإِنْسَانِيِّ مِنْ شَوَائِبِ الْمَفَاسِدِ وَتَطْهِيرِهِ مِنَ الْعَنَاصِرِ الْخَبِيثَةِ.
وَوَالِدَاهُ: أَبُوهُ وَأُمُّهُ، وَقَدْ وَرَدَ اسْمُ أَبِيهِ فِي التَّوْرَاةِ (لَمَكَ) وَأَمَّا أُمُّهُ فَقَدْ ذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَّ اسْمَهَا شَمْخَى بِنْتُ آنُوشَ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بَيْتِيَ بِسُكُونِ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ. وَقَرَأَهُ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ بِتَحْرِيكِهَا.
وَاسْتِثْنَاءُ إِلَّا تَباراً مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ التَّبَارَ لَيْسَ مِنَ الزِّيَادَةِ الْمَدْعُوُّ بِنَفْيِهَا فَإِنَّهُ أَرَادَ لَا تَزِدْهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ لِأَنَّ فِي زِيَادَةِ ذَلِكَ لَهُمْ قُوَّةً لَهُمْ عَلَى أَذَى الْمُؤْمِنِينَ. وَهَذَا كَقَوْلِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ [يُونُس: ٨٨] الْآيَةَ. وَهَذَا مِنْ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ كَقَوْلِهِ:
فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً [نوح: ٦] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute