للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنَّهَا مُحْتَمِلَةُ الِانْصِرَافِ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ يَطْغَى عَلَيْهِ حُبُّ الِاسْتِدْلَالِ لِعَقَائِدِ أَهْلِ الِاعْتِزَالِ طُغْيَانًا يَرْمِي بِفَهْمِهِ فِي مَهَاوِي الضَّآلَةِ، وَهَلْ يَسْمَحُ بَالُ ذِي مُسْكَةٍ مِنْ عِلْمٍ بِمَجَارِي كَلَامِ الْعُقَلَاءِ أَنْ يَتَصَدَّى مُتَصَدٍّ لِبَيَانِ فَضْلِ أَحَدٍ بِأَنْ يَنْفِيَ عَنْهُ أَنَّهُ مَجْنُونٌ، وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ:

رَسُولٍ كَرِيمٍ بِجِبْرِيلَ فَأَمَّا إِنْ أُرِيدَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ هُوَ وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فَهَذَا مُقْتَلَعٌ مِنْ جِذْرِهِ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْعُدُولَ عَنِ اسْمِ النَّبِيءِ الْعَلَمِ إِلَى صاحِبُكُمْ لِمَا يُؤْذِنُ بِهِ صاحِبُكُمْ مِنْ كَوْنِهِمْ عَلَى عِلْمٍ بِأَحْوَالِهِ، وَأَمَّا الْعُدُولُ عَنْ ضَمِيرِهِ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِ رَسُولٍ خُصُوصَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنَ الْإِظْهَارِ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِلْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَإِذَا أُرِيدَ بِ رَسُولٍ كِلَاهُمَا فَذِكْرُ صاحِبُكُمْ لِتَخْصِيصِ الْكَلَام بِهِ.

[٢٣]

[سُورَة التكوير (٨١) : آيَة ٢٣]

وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣)

وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣) عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ [التكوير: ٢٢] .

وَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا إِذَا بَلَغَهُمْ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُ أَنَّهُ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ مِنْ وَقْتِ غَارِ حِرَاءٍ فَمَا بعده استهزأوا وَقَالُوا: إِنَّ ذَلِكَ الَّذِي يَتَرَاءَى لَهُ هُوَ جِنِّيٌّ، فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ بِنَفْيِ الْجُنُونِ عَنْهُ ثُمَّ بِتَحْقِيقِ أَنَّهُ إِنَّمَا رَأَى جِبْرِيلَ الْقَوِيَّ الْأَمِينَ.

فَضَمِيرُ الرَّفْعِ عَائِدٌ إِلَى صَاحِبٍ مِنْ قَوْلِهِ: وَما صاحِبُكُمْ وَضَمِيرُ النَّصْبِ عَائِدٌ إِلَى رَسُولٍ كَرِيمٍ [التكوير: ١٩] ، وَسِيَاقُ الْكَرَمِ يُبَيِّنُ مَعَادَ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ.

وَ «الْأُفُقِ» : الْفَضَاءُ الَّذِي يَبْدُو لِلْعَيْنِ مِنَ الْكُرَةِ الْهَوَائِيَّةِ بَيْنَ طَرَفَيْ مَطْلَعِ الشَّمْسِ وَمَغْرِبِهَا مِنْ حَيْثُ يَلُوحُ ضَوْءُ الْفَجْرِ وَيَبْدُو شَفَقُ الْغُرُوبِ وَهُوَ يَلُوحُ كَأَنَّهُ قُبَّةٌ زَرْقَاءُ وَالْمَعْنَى رَآهُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.

والْمُبِينِ: وَصْفُ الْأُفُقِ، أَيْ لِلْأُفُقِ الْوَاضِحِ الْبَيِّنِ.

وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْوَصْفِ نَعْتُ الْأُفُقِ الَّذِي تَرَاءَى مِنْهُ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيءِ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَنَّهُ أُفُقٌ وَاضِحٌ بَيِّنٌ لَا تَشْتَبِهُ فِيهِ الْمَرْئِيَّاتُ وَلَا يُتَخَيَّلُ فِيهِ الْخَيَالُ،