وَدُخُولُ الْفَاءِ عَلَى فِعْلِ فَطَهِّرْ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ [المدثر: ٣] .
وَتَقْدِيمُ ثِيابَكَ عَلَى فِعْلِ (طَهِّرْ) لِلِاهْتِمَامِ بِهِ فِي الْأَمر بالتطهير.
[٥]
[سُورَة المدثر (٧٤) : آيَة ٥]
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥)
الرُّجْزَ: يُقَالُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا وَهُمَا لُغَتَانِ فِيهِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ وَالْكِسَائِيُّ: الرِّجْزُ بِالْكَسْرِ الْعَذَابُ وَالنَّجَاسَةُ وَالْمَعْصِيَةُ، وَبِالضَّمِّ الْوَثَنُ. وَيُحْمَلُ الرِّجْزُ هُنَا عَلَى مَا يَشْمَلُ الْأَوْثَانَ وَغَيْرَهَا مِنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ.
وَتَقْدِيمُ الرُّجْزَ عَلَى فِعْلِ (اهْجُرْ) لِلِاهْتِمَامِ فِي مَهِيعِ الْأَمْرِ بِتَرْكِهِ.
وَالْقَوْلُ فِي وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ كَالْقَوْلِ فِي وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ.
وَالْهَجْرُ: تَرْكُ الْمُخَالَطَةِ وَعَدَمُ الِاقْتِرَابِ مِنَ الشَّيْءِ. وَالْهَجْرُ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ تَرْكِ التَّلَبُّسِ بِالْأَحْوَالِ الْخَاصَّةِ بِأَنْوَاعِ الرُّجْزِ لِكُلِّ نَوْعٍ بِمَا يُنَاسِبُهُ فِي عُرْفِ النَّاسِ.
وَالْأَمْرُ بِهَجْرِ الرُّجْزِ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَعْبُدَ الْأَصْنَامَ وَأَنْ يَنْفِيَ عَنْهَا الإلهية.
[٦]
[سُورَة المدثر (٧٤) : آيَة ٦]
وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦)
مُنَاسَبَةُ عَطْفِ وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ عَلَى الْأَمْرِ بِهَجْرِ الرُّجْزِ أَنَّ الْمَنَّ فِي الْعَطِيَّةِ كَثِيرٌ مِنْ خُلُقِ أَهْلِ الشِّرْكِ فَلَمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهَجْرِ الرُّجْزِ نَهَاهُ عَنْ أَخْلَاقِ أَهْلِ الرُّجْزِ نَهْيًا يَقْتَضِي
الْأَمْرَ بِالصَّدَقَةِ وَالْإِكْثَارَ مِنْهَا بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَتَصَدَّقْ وَأَكْثِرْ مِنَ الصَّدَقَةِ وَلَا تَمْنُنْ، أَيْ لَا تَعُدَّ مَا أَعْطَيْتَهُ كَثِيرًا فَتُمْسِكَ عَنِ الِازْدِيَادِ فِيهِ، أَوْ تَتَطَرَّقَ إِلَيْكَ نَدَامَةٌ عَلَى مَا أَعْطَيْتَ.
وَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِي قَوْلِهِ: تَسْتَكْثِرُ للعدّ، أَي بعد مَا أَعْطَيْتَهُ كَثِيرًا.
وَهَذَا مِنْ بَدِيعِ التَّأْكِيدِ لِحُصُولِ الْمَأْمُورِ بِهِ جُعِلَتِ الصَّدَقَةُ كَالْحَاصِلَةِ، أَيْ لِأَنَّهَا مِنْ خُلُقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَقَدْ عُرِفَ بِذَلِكَ مِنْ قَبْلِ رِسَالَتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ هَيَّأَهُ