للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدَّالِ وَالْقِدَّةُ: الْقِطْعَةُ مِنْ جِلْدٍ وَنَحْوِهِ الْمَقْطُوعَةُ طُولًا كَالسَّيْرِ، شُبِّهَتِ الطَّرَائِقُ فِي كَثْرَتِهَا بِالْقِدَدِ الْمُقْتَطَعَةِ مِنَ الْجِلْدِ يَقْطَعُهَا صَانِعُ حِبَالِ الْقِدِّ كَانُوا يُقَيِّدُونَ بِهَا الْأَسْرَى.

وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يَدْعُونَ إِخْوَتَهُمْ إِلَى وَحْدَةِ الِاعْتِقَادِ بِاقْتِفَاءِ هُدَى الْإِسْلَامِ، فَالْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْرِيضِ بِذَمِّ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْقَوْمِ وَأَنَّ عَلَى الْقَوْمِ أَنْ يَتَّحِدُّوا وَيَتَطَلَّبُوا الْحَقَّ لِيَكُونَ اتِّحَادُهُمْ عَلَى الْحَقِّ.

وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ فَائِدَةَ الْخَبَرِ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ، وَالتَّوْكِيدُ بِ (إِنَّ) مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْمَعْنى التعريضي.

[١٢]

[سُورَة الْجِنّ (٧٢) : آيَة ١٢]

وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (١٢)

قَرَأَ الْجُمْهُورُ وَأَبُو جَعْفَرٍ بِكَسْرِ هَمْزَةِ وَأَنَّا. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ وَخَلَفٌ بِفَتْحِهَا عَطْفًا عَلَى الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ: فَآمَنَّا بِهِ [الْجِنّ: ٢] . وَالتَّقْدِير:

وءامنا بِأَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ. وَذِكْرُ فِعْلِ ظَنَنَّا تَأْكِيدٌ لَفْظِيٌّ لِفِعْلِ «آمَنَّا» الْمُقَدَّرِ بِحَرْفِ الْعَطْفِ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ يَقِينٌ وَأُطْلِقَ الظَّنُّ هُنَا عَلَى الْيَقِينِ وَهُوَ إِطْلَاقٌ كَثِيرٌ.

لَمَّا كَانَ شَأْنُ الصَّلَاحِ أَنْ يَكُونَ مَرْضِيًّا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَشَأْنُ ضِدِّهِ بِعَكْسِ ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسادَ [الْبَقَرَة: ٢٠٥] أَعْقَبُوا لِتَعْرِيضِ الْإِقْلَاعِ عَنْ ضِدِّ الصَّلَاحِ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَدَّ لِغَيْرِ الصَّالِحِينَ عِقَابًا فَأَيْقَنُوا أَنَّ عِقَابَ اللَّهِ لَا يفلت مِنْهُ أَحَدٍ اسْتَحَقَّهُ. وَقَدَّمُوهُ عَلَى الْأَمْرِ بِالْإِيمَانِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى [الْجِنّ: ١٣] الْآيَةَ، لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَالتَّخْلِيَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى التَّحْلِيَةِ، وَقَدِ اسْتَفَادُوا عِلْمَ ذَلِكَ مِمَّا سَمِعُوا مِنَ الْقُرْآنِ وَلَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ مِنْ قَبْلُ إِذْ لَمْ يَكُونُوا مُخَاطَبِينَ بِتَعْلِيمٍ فِي أُصُولِ الْعَقَائِدِ، فَلَمَّا أَلْهَمَهُمُ اللَّهُ لِاسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ وَعَلِمُوا أُصُولَ الْعَقَائِدِ حَذَّرُوا إِخْوَانَهُمُ اعْتِقَادَ الشِّرْكِ وَوَصْفَ اللَّهِ بِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ لِأَنَّ الِاعْتِقَادَ الْبَاطِلَ لَا يُقِرُّهُ الْإِدْرَاكُ الْمُسْتَقِيمُ بَعْدَ تَنْبِيهِهِ لِبُطْلَانِهِ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ هَذَا النَّفَرَ مِنَ الْجِنِّ نَذِيرًا لِإِخْوَانِهِمْ وَمُرْشِدًا إِلَى الْحَقِّ الَّذِي أَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنَّ الْجِنَّ مُكَلَّفُونَ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ.