وَالدَّوَاعِي لِلْمَقَالَةِ، إِذْ جَمِيعُهُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ، وَأَنَّ طُغْيَانَهُمْ وَكِبْرِيَاءَهُمْ يَصُدُّهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ رَسُولٍ يَحْسَبُونَ أَنْفُسَهُمْ أَعْظَمَ مِنْهُ، وَإِذْ لَا يَجِدُونَ وَصْمَةً يَصِمُونَهُ بِهَا اخْتَلَقُوا لِتَنْقِيصِهِ عِلَلًا لَا تدخل تَحت الضَّبْط وَهِيَ ادِّعَاءُ أَنَّهُ مَجْنُونٌ أَوْ أَنَّهُ سَاحِرٌ، فَاسْتَوَوْا فِي ذَلِكَ بِعِلَّةِ اسْتِوَائِهِمْ فِي أَسبَابه ومعاذيره.
فَضَمِيرُ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ عَائِدٌ إِلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ ضَمِيرُ أَتَواصَوْا.
وَفِي إِقْحَامِ كَلِمَةِ قَوْمٌ إِيذَانٌ بِأَنَّ الطُّغْيَانَ رَاسِخٌ فِي نُفُوسِهِمْ بِحَيْثُ يَكُونُ مِنْ مُقَوِّمَاتِ قَوْمِيَّتِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فِي سُورَة الْبَقَرَة [١٦٤] .
[٥٤، ٥٥]
[سُورَة الذاريات (٥١) : الْآيَات ٥٤ إِلَى ٥٥]
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥)
تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: كَذلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَى قَوْلِهِ: بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ [الذاريات: ٥٢، ٥٣] لَمُشْعِرٌ بِأَنَّهُمْ بُعَدَاءُ عَنْ أَنْ تُقْنِعَهُمُ الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ، أَيْ أَعْرِضْ عَنِ الْإِلْحَاحِ فِي جِدَالِهِمْ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَدِيدَ الْحِرْصِ عَلَى إِيمَانِهِمْ وَيَغْتَمُّ مِنْ أَجْلِ عِنَادِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ فَكَانَ اللَّهُ يُعَاوِدُ تَسْلِيَتَهُ الْفَيْنَةَ بَعْدَ الْفَيْنَةِ كَمَا قَالَ:
لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشُّعَرَاء: ٣] فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً [الْكَهْف: ٦] وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا
يَمْكُرُونَ
[النَّحْل: ١٢٧] ، فَالتَّوَلِّي مُرَادٌ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى، وَإِلَّا فَإِنَّ الْقُرْآنَ جَاءَ بَعْدَ أَمْثَالِ هَذِهِ الْآيَةِ بِدَعْوَتِهِمْ وَجِدَالِهِمْ غَيْرَ مَرَّةٍ قَالَ تَعَالَى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ [١٧٤- ١٧٥] .
وَفَرَّعَ عَلَى أَمْرِهِ بِالتَّوَلِّي عَنْهُمْ إِخْبَارَهُ بِأَنَّهُ لَا لَوْمَ عَلَيْهِ فِي إِعْرَاضِهِمْ عَنْهُ وَصِيغَ الْكَلَامُ فِي صِيغَةِ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ دُونَ: لَا نَلُومُكَ، لِلدَّلَالَةِ عَلَى ثَبَاتِ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ فِي النَّفْيِ.
وَجِيءَ بِضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ مُسْنَدًا إِلَيْهِ فَقَالَ: فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ دُونَ أَنْ يَقُولَ: فَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute