[سُورَة يُونُس (١٠) : آيَة ٢٤]
إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤)
هَذِهِ الْآيَةُ تَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْبَيَانِ لِجُمْلَةِ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا [يُونُس: ٢٣] الْمُؤْذِنَةِ بِأَنَّ
تَمَتُّعَهُمْ بِالدُّنْيَا مَا هُوَ إِلَّا لِمُدَّةٍ قَصِيرَةٍ، فَبَيَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَنَّ التَّمَتُّعَ صَائِرٌ إِلَى زَوَالٍ، وَأَطْنَبَتْ فَشَبَّهَتْ هَيْئَةَ التَّمَتُّعِ بِالدُّنْيَا لِأَصْحَابِهَا بِهَيْئَةِ الزَّرْعِ فِي نَضَارَتِهِ ثُمَّ فِي مَصِيرِهِ إِلَى الْحَصْدِ.
والمثل: الْحَال المائلة عَلَى هَيْئَةٍ خَاصَّةٍ، كَانَ التَّشْبِيهُ هُنَا تَشْبِيهَ حَالَةٍ مُرَكَّبَةٍ بِحَالَةٍ مُرَكَّبَةٍ. عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِلَفْظِ الْمَثَلِ الَّذِي شَاعَ فِي التَّشْبِيهِ الْمُرَكَّبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
وَصِيغَةُ الْقَصْرِ لِتَأْكِيدِ الْمَقْصُودِ مِنَ التَّشْبِيهِ وَهُوَ سُرْعَةُ الِانْقِضَاءِ. وَلِتَنْزِيلِ السَّامِعِينَ مَنْزِلَةَ مَنْ يَحْسَبُ دَوَامَ بَهْجَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِأَنَّ حَالَهُمْ فِي الِانْكِبَابِ عَلَى نَعِيمِ الدُّنْيَا كَحَالِ مَنْ يَحْسَبُ دَوَامَهُ وَيُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ لَهُ انْقِضَاء سريع ومفاجىء. وَالْمَعْنَى: قَصْرُ حَالَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا عَلَى مُشَابَهَةِ حَالَةِ النَّبَاتِ الْمَوْصُوفِ، فَالْقَصْرُ قَصْرُ قَلْبٍ، بُنِيَ عَلَى تَنْزِيلِ الْمُخَاطَبِينَ مَنْزِلَةَ مَنْ يَعْتَقِدُ عَكْسَ تِلْكَ الْحَالَةِ.
شُبِّهَتْ حَالَةُ الْحَيَاةِ فِي سُرْعَةِ تَقَضِّيهَا وَزَوَالِ نَعِيمِهَا بَعْدَ الْبَهْجَةِ بِهِ وَتَزَايُدِ نَضَارَتِهَا بِحَالِ نَبَاتِ الْأَرْضِ فِي ذَهَابِهِ حُطَامًا وَمَصِيرِهِ حَصِيدًا. وَمِنْ بَدِيعِ هَذَا التَّشْبِيهِ تَضَمُّنُهُ لِتَشْبِيهَاتٍ مُفَرَّقَةٍ مِنْ أَطْوَارِ الْحَالَيْنِ الْمُتَشَابِهَيْنِ بِحَيْثُ يَصْلُحُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ هَذَا التَّشْبِيهِ الْمُرَكَّبِ لِتَشْبِيهِ جُزْءٍ مِنَ الْحَالَيْنِ الْمُتَشَابِهَيْنِ، وَلِذَلِكَ أَطْنَبَ وَصْفَ الْحَالَيْنِ مِنِ ابْتِدَائِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute