اللَّامِ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ «شُرَّاحُهُ» وَالْبَيْضَاوِيُّ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ يَتَعَلَّقُ أَنَّهُ ظَرْفُ لَغْوٍ تَعَلَّقَ بِبَيْضَاءَ فَلَعَلَّهُ لِمَا فِي بَيْضَاءَ مِنْ مَعْنَى الْفِعْلِ كَأَنَّهُ قِيلَ: ابْيَضَّتْ لِلنَّاظِرِينَ كَمَا يَتَعَلَّقُ الْمَجْرُورُ بِالْمُشْتَقِّ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى اللَّامِ هُوَ مَا سَمَّاهُ ابْنُ مَالِكٍ بِمَعْنَى التَّعْدِيَةِ وَهُوَ يُرِيدُ بِهِ تَعْدِيَةً خَاصَّةً (لَا مُطْلَقَ التَّعْدِيَةِ أَيْ تَعْدِيَةَ الْفِعْلِ الْقَاصِرِ إِلَى مَا لَا يَتَعَدَّى لَهُ بِأَصْلِ وَضْعِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ حَاصِلٌ فِي جَمِيعِ حُرُوفِ الْجَرِّ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَرَادَ تَعْدِيَةً خَاصَّةً لَمْ يُبَيِّنْ حَقِيقَتَهَا. وَقَدْ مَثَّلَ لَهَا فِي «شَرْحِ الْكَافِيَةِ» بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا [مَرْيَم: ٥] وَجَعَلَ فِي «شَرْحِ التَّسْهِيلِ»
هَذَا الْمِثَالَ مِثَالًا لِمَعْنَى شِبْهِ الْمِلْكِ، وَاخْتَارَ ابْنُ هِشَامٍ أَنْ يُمَثَّلَ لِلتَّعْدِيَةِ بِنَحْوِ مَا أَضْرَبَ زَيْدًا لِعَمْرٍو.
وَلَمْ يُفْصِحُوا عَنْ هَذِهِ التَّعْدِيَةِ الْخَاصَّةِ بِاللَّامِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهَا عَمَلٌ لَفْظِيٌّ مَحْضٌ، أَيْ لَا يُفِيدُ مَعْنًى جُزْئِيًّا كَمَعَانِي الْحُرُوفِ، فَتَحَصَّلَ أَنَّهُمْ فِي ارْتِبَاكٍ فِي تَحْقِيقِ مَعْنَى التَّعْدِيَةِ، وَعِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ أَحْسُنُ مَا يُمَثَّلُ بِهِ لِكَوْنِ اللَّامِ لِلتَّعْدِيَةِ وَأَنْ نُفَسِّرَ هَذَا الْمَعْنَى بِأَنَّهُ تَقْرِيبُ الْمُتَعَلِّقِ بِكَسْر اللَّام لمتعلّق بِفَتْحِ اللَّامِ تَقْرِيبًا لَا يَجْعَلُهُ فِي مَعْنَى الْمَفْعُولِ بِهِ.
وَإِنْ شِئْتَ إِرْجَاعَ مَعْنَى التَّعْدِيَةِ إِلَى أَصْلٍ مِنَ الْمَعَانِي الْمَشْهُورَةِ لِلَّامِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مِنْ فُرُوعِ مَعْنَى شِبْهِ الْمِلْكِ كَمَا اقْتَضَاهُ جَعْلُ ابْنِ مَالِكٍ الْمِثَالَ الَّذِي مَثَّلَ بِهِ لِلتَّعْدِيَةِ مِثَالًا لِشِبْهِ الْمِلْكِ.
وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ بِمَعْنَى (عِنْدَ) وَيَكُونَ مُفَادُ قَوْلِهِ تَعَالَى: بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ أَنَّهَا بَيْضَاءُ بَيَاضًا مُسْتَقِرًّا فِي أَنْظَارِ النَّاظِرِينَ وَيَكُونُ الظَّرْفُ مُسْتَقِرًّا يُجْعَلُ حَالًا مِنْ ضمير يَده.
[١٠٩- ١١٢]
[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : الْآيَات ١٠٩ إِلَى ١١٢]
قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (١٠٩) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَماذا تَأْمُرُونَ (١١٠) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (١١١) يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (١١٢)
جَرَتْ جُمْلَةُ: قالَ الْمَلَأُ عَلَى طَرِيقَةِ الْفَصْلِ لِأَنَّهَا جَرَتْ فِي طَرِيق المحاورة الْجَارِيَةِ بَيْنَ مُوسَى وَبَيْنَ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَإِنَّهُ حِوَارٌ وَاحِدٌ.
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْمَلَأِ آنِفًا فِي الْقَصَصِ الْمَاضِيَةِ، فَمَلَأُ قَوْمِ فِرْعَوْنَ هُمْ سَادَتُهُمْ وَهُمْ أَهْلُ مَجْلِسِ فِرْعَوْنَ وَمَشُورَتِهِ، وَقَدْ كَانَتْ دَعْوَةُ مُوسَى أَوَّلَ الْأَمْرِ قَاصِرَةً عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute