للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَقْيِيدُهُ بِ مَعِيَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إِخْرَاجِهِمْ مِنْ مِصْرَ أَنْ يَكُونُوا مَعَ الرَّسُولِ ليرشدهم وَيُدبر شؤونهم.

وَقَوْلُ فِرْعَوْنَ: إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها مُتَعَيِّنٌ لِأَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِمُعْجِزَةٍ، فَإِنَّ أَكْثَرَ مَوَارِدِ الْآيَةِ فِي الْقُرْآنِ مُرَادٌ فِيهِ الْمُعْجِزَةُ، وَأَكْثَرَ مَوَارِدِ الْبَيِّنَةِ مُرَادٌ فِيهِ الْحُجَّةُ، فَالْمُرَادُ بِالْبَيِّنَةِ فِي قَوْلِ مُوسَى قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ الْحُجَّةُ عَلَى إِثْبَاتِ

الْإِلَهِيَّةِ وَعَلَى حَقِيَّةِ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ إِرْشَادٍ لِقَوْمِهِ، فَكَانَ فِرْعَوْنُ غَيْرَ مُقْتَنِعٍ بِبُرْهَانِ الْعَقْلِ أَوْ قَاصِرًا عَنِ النَّظَرِ فِيهِ فَانْتَقَلَ إِلَى طَلَبِ خَارِقِ الْعَادَةِ، فَالْمَعْنَى: إِنْ كُنْتَ جِئْتَنَا مُتَمَكِّنًا مِنْ إِظْهَارِ الْمُعْجِزَاتِ، لِأَنَّ فِرْعَوْنَ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُظْهِرَ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مُعْجِزَتَهُ، فَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِآيَةٍ لِلْمَعِيَّةِ التَّقْدِيرِيَّةِ، أَيْ: مُتَمَكِّنًا مِنْ آيَةٍ، أَوِ الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ، وَالْمُلَابَسَةُ مَعْنَاهَا وَاسِعٌ، أَيْ: لَكَ تَمْكِينٌ مِنْ إِظْهَارِ آيَةٍ.

وَقَوْلُهُ: فَأْتِ بِها اسْتُعْمِلَ الْإِتْيَانُ فِي الْإِظْهَارِ مَجَازًا مُرْسَلًا، فَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ:

بِها لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ الْإِتْيَانِ، وَبِذَلِكَ يَتَّضِحُ ارْتِبَاطُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ، لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْجَزَاءِ هُوَ غَيْرُ الْمَجِيءِ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الشَّرْطِ، أَيْ: إِنْ كُنْتَ جِئْتَ مُتَمَكِّنًا مِنْ إِظْهَارِ الْآيَةِ فَأَظْهِرْ هَذِهِ الْآيَةَ.

وَالْإِلْقَاءُ: الرَّمْيُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ فِي الْمَاءِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، أَيْ: فَرَمَى عَصَاهُ مِنْ يَدِهِ.

وَ (إِذَا) لِلْمُفَاجَأَةِ وَهِيَ حُدُوثُ الْحَادِثِ عَنْ غَيْرِ تَرَقُّبٍ.

وَالثُّعْبَانُ: حَيَّةٌ عَظِيمَةٌ، ومُبِينٌ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَبَانَ الْقَاصِرِ الْمُرَادِفِ لِبَانَ، أَيْ ظَهَرَ، أَيِ: الظَّاهِرُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا تَخَيُّلَ.

وَنَزَعَ: أَزَالَ اتِّصَالَ شَيْءٍ عَنْ شَيْء، وَمِنْه نوع ثَوْبَهُ، وَالْمَعْنَى هُنَا أَنَّهُ أَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ جَيْبِ قَمِيصِهِ بَعْدَ أَنْ أَدْخَلَهَا فِي جَيْبِهِ كَمَا فِي سُورَةِ النَّمْلِ وَسُورَةِ الْقَصَصِ فَلَمَّا أَخْرَجَهَا صَارَتْ بَيْضَاءَ، أَيْ بَيَاضًا مِنَ النُّورِ.

وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا الْبَيَاضِ قَوْلُهُ: لِلنَّاظِرِينَ، أَيْ بَيَاضًا يَرَاهُ النَّاظِرُونَ رُؤْيَةَ تَعَجُّبٍ مِنْ بَيَاضِهَا. فَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ قَوْلِهِ: لِلنَّاظِرِينَ تَتْمِيمُ مَعْنَى الْبَيَاضِ.

وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِلنَّاظِرِينَ لَمْ يُعَرِّجِ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى بَيَانِ مَعْنَاهَا وَمَوْقِعِهَا سِوَى أَنَّ صَاحِبَ «الْكَشَّافِ» قَالَ: «يَتَعَلَّقُ لِلنَّاظِرِينَ بِبَيْضَاءَ» دُونَ أَنْ يُبَيِّنَ نَوْعَ التَّعَلُّقِ وَلَا مَعْنَى