للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّهِ تَعَالَى دُونَ مُشَاكَلَةٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ [٩٩] فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَبَعْضُ أَسَاتِذَتِنَا يُسَمِّي مِثْلَ ذَلِكَ مُشَاكَلَةً تَقْدِيرِيَّةً.

وَمَعْنَى: وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ أَيْ أَقْوَاهُمْ عِنْدَ إِرَادَةِ مُقَابَلَةِ مَكْرِهِمْ بِخِذْلَانِهِ إِيَّاهُمْ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى خَيْرُ الْمَاكِرِينَ: أَنَّ الْإِمْلَاءَ وَالِاسْتِدْرَاجَ، الَّذِي يُقَدِّرُهُ لِلْفُجَّارِ وَالْجَبَابِرَةِ وَالْمُنَافِقِينَ، الشَّبِيهَ بِالْمَكْرِ فِي أَنَّهُ حسن الظَّاهِر سيّء الْعَاقِبَةِ، هُوَ خَيْرٌ مَحْضٌ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إِلَّا الصَّلَاحُ الْعَامُّ، وَإِنْ كَانَ يُؤْذِي شَخْصًا أَوْ أَشْخَاصًا، فَهُوَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ مُجَرَّدٌ عَمَّا فِي الْمَكْرِ مِنَ الْقُبْحِ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ أَفْعَالُهُ تَعَالَى مُنَزَّهَةً عَنِ الْوَصْفِ بِالْقُبْحِ أَوِ الشَّنَاعَةِ، لِأَنَّهَا لَا تُقَارِنُهَا الْأَحْوَالُ الَّتِي بِهَا تُقَبَّحُ بَعْضُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ مِنْ دَلَالَةٍ عَلَى سَفَاهَةِ رَأْيٍ، أَوْ سُوءِ طَوِيَّةٍ، أَوْ جُبْنٍ، أَوْ ضَعْفٍ، أَوْ طَمَعٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. أَيْ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَكْرِ قُبْحٌ فَمَكْرُ اللَّهِ خَيْرٌ مَحْضٌ، وَلَكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنْ تَجْعَلَ «خَيْرُ» بِمَعْنَى التَّفْضِيلِ وَبِدُونِهِ.

[٥٥، ٥٧]

[سُورَة آل عمرَان (٣) : الْآيَات ٥٥ الى ٥٧]

إِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٥٦) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧)

إِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٥٦) .

اسْتِئْنَافٌ وَ (إِذْ) ظَرْفٌ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِشَيْءٍ، أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيِ اذْكُرْ إِذْ قَالَ اللَّهُ:

كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [الْبَقَرَة: ٣٠] وَهَذَا حِكَايَةٌ لِأَمْرِ رَفْعِ الْمَسِيحِ وَإِخْفَائِهِ عَنْ أَنْظَارِ أَعْدَائِهِ. وَقَدَّمَ اللَّهُ فِي خِطَابِهِ إِعْلَامَهُ بِذَلِكَ اسْتِئْنَاسًا لَهُ، إِذْ لَمْ يَتِمَّ مَا يَرْغَبُهُ مِنْ هِدَايَةِ قَوْمِهِ. مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ يُحِبُّ لِقَاءَ اللَّهِ،