للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفِعْلُهُ عَرَشَ- مِنْ بَابَيْ ضَرَبَ وَنَصَرَ- وَبِالْأَوَّلِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ، وَقَرَأَ بِالثَّانِي ابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ خَرَّبَ دِيَارَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ الْمَذْكُورِينَ، وَدَمَّرَ جَنَّاتِهِمْ بِمَا ظَلَمُوا بِالْإِهْمَالِ، أَوْ بِالزِّلْزَالِ، أَو على أَيْديهم جُيُوشِ أَعْدَائِهِمُ الَّذِينَ مَلَكُوا مِصْرَ بَعْدَهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَعْرِشُونَ بِمَعْنَى يَرْفَعُونَ أَيْ يَشِيدُونَ مِنَ الْبِنَاءِ مِثْلَ مَبَانِي الْأَهْرَامِ وَالْهَيَاكِلِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِفِعْلِ دَمَّرْنا، شُبِّهَ الْبِنَاءُ الْمَرْفُوعُ بِالْعَرْشِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَعْرِشُونَ اسْتِعَارَةً لِقُوَّةِ الْمُلْكِ وَالدَّوْلَةِ وَيَكُونَ دَمَّرْنَا تَرْشِيحًا لِلِاسْتِعَارَةِ.

وَفِعْلُ كانَ فِي الصِّلَتَيْنِ دَالٌّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ دَأْبُهُ وَهِجِّيرَاهُ، أَيْ مَا عُنِيَ بِهِ مِنَ الصَّنَائِعِ وَالْجَنَّاتِ. وَصِيغَةُ الْمُضَارِعِ فِي الْخَبَرَيْنِ عَنْ (كَانَ) لِلدَّلَالَةِ عَلَى التجدد والتكرر.

[١٣٨- ١٤٠]

[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : الْآيَات ١٣٨ إِلَى ١٤٠]

وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١٣٨) إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٩) قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٤٠)

لَمَّا تَمَّتِ الْعِبْرَةُ بِقِصَّةِ بَعْثِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ، وَكَيْفَ نَصَرَهُ اللَّهُ عَلَى عَدُوِّهِ، وَنَصَرَ قَوْمَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَهْلَكَ عَدُوَّهُمْ كَشَأْنِ سُنَّةِ اللَّهِ فِي نَصْرِ الْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ، اسْتُرْسِلَ الْكَلَامُ إِلَى وَصْفِ تَكْوِينِ أُمَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَا يَحِقُّ أَنْ يُعْتَبَرَ بِهِ مِنَ الْأَحْوَالِ الْعَارِضَةِ لَهُمْ فِي خِلَالِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ طُمَأْنِينَةُ نُفُوسِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ فِي صَالِحِ أَعْمَالِهِمْ، وَتَحْذِيرُهُمْ مِمَّا يَرْمِي بِهِمْ إِلَى غَضَبِ اللَّهِ فِيمَا يُحَقِّرُونَ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ، لِمَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِنَ التَّشَابُهِ فِي تَدْبِيرِ اللَّهِ تَعَالَى أُمُورَ عَبِيدِهِ، وَسُنَّتِهِ فِي تَأْيِيدِ رُسُلِهِ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَإِيقَاظِ نُفُوسِ الْأُمَّةِ إِلَى مُرَاقَبَةِ خَوَاطِرِهِمْ وَمُحَاسَبَةِ نُفُوسِهِمْ فِي شُكْرِ النِّعْمَةِ وَدَحْضِ

الْكُفْرَانِ.

وَالْمُجَاوَزَةُ: الْبُعْدُ عَنِ الْمَكَانِ عَقِبَ الْمُرُورِ فِيهِ، يُقَالُ: جَاوَزَ بِمَعْنَى جَازَ، كَمَا يُقَالُ: عَالَى بِمَعْنَى عَلَا، وَفِعْلُهُ مُتَعَدٍّ إِلَى وَاحِدٍ بِنَفْسِهِ وَإِلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي بِالْبَاءِ فَإِذَا قُلْتَ:

جُزْتُ بِهِ، فَأَصْلُ مَعْنَاهُ أَنَّكَ جُزْتَهُ مُصَاحِبًا فِي الْجَوَازِ بِهِ لِلْمَجْرُورِ بِالْبَاءِ، ثُمَّ اسْتُعِيرَتِ الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ يُقَالُ: جُزْتُ بِهِ الطَّرِيقَ إِذَا سَهَّلْتَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَسِرْ مَعَهُ، فَهُوَ