للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْخَارِجِ عَلَى نَحْوِ قَوْلِ مُوسَى يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [الْمَائِدَة: ٢١] وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَمَّتْ كَلِمَاتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١١٥] .

والْحُسْنى: صفة ل كَلِمَتُ وَهِيَ صِفَةُ تَشْرِيفٍ كَمَا يُقَالُ: الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، أَيْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْمُنَزَّهَةُ عَنِ الْخُلْفِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ حُسْنَهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَإِنْ كَانَتْ سَيِّئَةً عَلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، لِأَنَّ الْعَدْلَ حَسَنٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إِضْرَارٌ بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ.

وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: رَبِّكَ للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُدْمِجَ فِي ذِكْرِ الْقِصَّةِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الَّذِي حَقَّقَ نَصْرَ مُوسَى وَأُمَّتِهِ عَلَى عَدُوِّهِمْ هُوَ رَبُّكَ فَسَيَنْصُرُكَ وَأُمَّتَكَ عَلَى عَدُوِّكُمْ لِأَنَّهُ ذَلِكَ الرَّبُّ الَّذِي نَصَرَ الْمُؤْمِنِينَ السَّابِقِينَ، وَتِلْكَ سُنَّتُهُ وَصُنْعُهُ، وَلَيْسَ فِي الْخِطَابِ الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ لِاخْتِلَافِ الْمُرَادِ مِنَ الضَّمَائِرِ.

وَعُدِّيَ فِعْلُ التَّمَامِ (بِعَلَى) لِلْإِشَارَةِ إِلَى تَضْمِينِ تَمَّتْ مَعْنَى الْإِنْعَامِ، أَوْ مَعْنَى حَقَّتْ.

وَبَاءُ بِما صَبَرُوا لِلسَّبَبِيَّةِ، وَ (مَا) مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ بِصَبْرِهِمْ عَلَى الْأَذَى فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَفِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى فَائِدَةِ الصَّبْرِ وَأَنَّ الصَّابِرَ صَائِرٌ إِلَى النَّصْرِ وَتَحْقِيقِ الْأَمَلِ.

وَالتَّدْمِيرُ: التَّخْرِيبُ الشَّدِيدُ وَهُوَ مَصْدَرُ دَمَّرَ الشَّيْءَ إِذَا جَعَلَهُ دَامِرًا لِلتَّعْدِيَةِ مُتَصَرِّفٌ مِنَ الدَّمَارِ- بِفَتْحِ الدَّالِّ- وَهُوَ مَصْدَرٌ قَاصِرٌ، يُقَالُ دَمَرَ الْقَوْمُ- بِفَتْحِ الْمِيمِ- يَدْمُرُونَ- بِضَمِّ الْمِيمِ- دَمَارًا، إِذَا هَلَكُوا جَمِيعًا، فَهُمْ دَامِرُونَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ إِطْلَاقَ التَّدْمِيرِ عَلَى إِهْلَاكِ الْمَصْنُوعِ مَجَازِيٌّ عَلَاقَتُهُ الْإِطْلَاقُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ التَّدْمِيرَ حَقِيقَتُهُ إِهْلَاكُ الْإِنْسَانِ.

وَمَا كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ: مَا شَادَهُ مِنَ الْمَصَانِعِ، وَإِسْنَادُ الصُّنْعِ إِلَيْهِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ لِأَنَّهُ الْآمِرُ بِالصُّنْعِ، وَأَمَّا إِسْنَادُهُ إِلَى قَوْمِ فِرْعَوْنَ فَهُوَ عَلَى الْحَقِيقَةِ الْعَقْلِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقَوْمِ لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ فَرْدٍ عَلَى وَجْهِ التَّغْلِيبِ.

ويَعْرِشُونَ يُنْشِئُونَ مِنَ الْجَنَّاتِ ذَات العرايش. والعرايش: مَا يُرْفَعُ مِنْ دَوَالِي الْكُرُومِ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى النَّخْلَاتِ الْعَدِيدَةِ تُرَبَّى فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَلَعَلَّ جَنَّاتِ الْقِبْطِ كَانَتْ كَذَلِكَ كَمَا تَشْهَدُ بِهِ بَعْضُ الصُّوَرِ الْمَرْسُومَةِ عَلَى هَيَاكِلِهِمْ نَقْشًا وَدَهْنًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ