للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[] .

وَالْإِهْلَاكُ: الْإِفْنَاءُ، وَهُوَ عِقَابٌ لِلْأُمَّةِ دَالٌّ عَلَى غَضَبِ اللَّهِ عَلَيْهَا، لِأَنَّ فَنَاءَ الْأُمَمِ لَا

يَكُونُ إِلَّا بِمَا تَجُرُّهُ إِلَى نَفْسِهَا مِنْ سُوءِ فِعْلِهَا، بِخِلَافِ فَنَاءِ الْأَفْرَادِ فَإِنَّهُ نِهَايَةٌ مُحَتَّمَةٌ وَلَوِ اسْتَقَامَ الْمَرْءُ طُولَ حَيَاتِهِ، لِأَنَّ تَرْكِيبَ الْحَيَوَانِ مُقْتَضٍ لِلِانْتِهَاءِ بِالْفَنَاءِ عِنْدَ عَجْزِ الْأَعْضَاءِ الرَّئِيسِيَّةِ عَنْ إِمْدَادِ الْبَدَنِ بِمَوَادِّ الْحَيَاةِ فَلَا يَكُونُ عِقَابًا إِلَّا فِيمَا يَحُفُّ بِهِ مِنْ أَحْوَالِ الْخِزْيِ لِلْهَالِكِ.

وَالذُّنُوبُ هُنَا هِيَ الْكُفْرُ وَتَكْذِيبُ الرُّسُلِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ التَّنْظِيرُ بِحَالِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ هُنَا: بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ، وَمَا قَالَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ الْآيَةَ.

وَقَوْلُهُ: وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ: الْإِنْشَاءُ الْإِيجَادُ الْمُبْتَكَرُ، قَالَ تَعَالَى:

إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً. وَالْمُرَادُ بِهِ إِنْشَاؤُهُمْ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ الَّتِي كَانَ الْقَرْنُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ التَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ وَالْإِسْعَافِ بِالْخِصْبِ، فَخَلَّفُوا الْقَرْنَ الْمُنْقَرِضِينَ سَوَاءٌ كَانَ إِنْشَاؤُهُمْ فِي دِيَارِ الْقَوْمِ الَّذِينَ هَلَكُوا، كَمَا أَنْشَأَ قُرَيْشًا فِي دِيَارِ جُرْهُمٍ، أَمْ فِي دِيَارٍ أُخْرَى كَمَا أَنْشَأَ اللَّهُ ثَمُودًا بَعْدَ عَادٍ فِي مَنَازِلَ أُخْرَى. وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا تَعْرِيضٌ بِالْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ الله مهلكهم ومنشىء مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي دِيَارِهِمْ. فَفِيهِ نِذَارَةٌ بِفَتْحِ مَكَّةَ وَسَائِرِ بِلَادِ الْعَرَبِ عَلَى أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِنْشَاءِ الْوِلَادَةُ وَالْخَلْقُ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مُسْتَمِرٌّ فِي الْبَشَرِ لَا يَنْتَهِي، وَلَيْسَ فِيهِ عِظَةٌ وَلَا تهديد للجبايرة الْمُشْرِكِينَ. وَأَفْرَدَ قَرْناً مَعَ أَنَّ الْفِعْلَ النَّاصِبَ لَهُ مُقَيَّدٌ بِأَنَّهُ مِنْ بَعْدِ جَمْعِ الْقُرُونِ، عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِ كُلِّ قَرْنٍ مِنَ الْمُهْلِكِينَ قرنا آخَرين.

[٧]

[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ٧]

وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧)

يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ عَاطِفَةً وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ جُمْلَةَ وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَخْ، وَمَا بَيْنَهُمَا جُمَلًا تَعَلَّقَتْ بِالْجُمْلَةِ الْأُولَى عَلَى طَرِيقَةِ الِاعْتِرَاضِ، فَلَمَّا ذَكَرَ الْآيَاتِ