يُرْجَى مِنْ هَؤُلَاءِ التَّذَكُّرُ بِذَلِكَ الذِّكْرِ وَهُوَ مِنْ دَوَاعِي السُّخْرِيَةِ بِأَهْلِهِ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى فِعْلِ (سَخِرَ) عِنْدَ قَوْلِهِ: فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٠] وَقَوْلِهِ: فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ [٧٩] .
فَإِسْنَادُ الْإِنْسَاءِ إِلَى الْفَرِيقِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ لِأَنَّهُمْ سَبَبُهُ، أَوْ هُوَ مَجَازٌ بِالْحَذْفِ بِتَقْدِيرِ:
حَتَّى أَنْسَاكُمُ السُّخْرِيُّ بِهِمْ ذِكْرِي. وَالْقَرِينَةُ عَلَى الْأَوَّلِ مَعْنَوِيَّةٌ وَعَلَى الثَّانِي لَفْظِيَّةٌ.
وَقَوْلُهُ: أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِفَتْحِ هَمْزَةِ (أَنَّ) عَلَى مَعْنَى الْمَصْدَرِيَّةِ وَالتَّأْكِيدِ، أَيْ جَزَيْتُهُمْ بِأَنَّهُمْ. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِكَسْرِ هَمْزَةِ (إِنَّ) عَلَى التَّأْكِيدِ فَقَطْ فَتَكُونُ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِلْجَزَاءِ.
وَضَمِيرُ الْفَصْلِ لِلِاخْتِصَاصِ، أَيْ هُمُ الْفَائِزُونَ لَا أَنْتُمْ.
وَقَوْلُهُ: بِما صَبَرُوا إِدْمَاجٌ لِلتَّنْوِيهِ بِالصَّبْرِ، وَالتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ سُخْرِيَّتَهُمْ بِهِمْ كَانَتْ سَبَبًا فِي صَبْرِهِمُ الَّذِي أَكْسَبَهُمُ الْجَزَاءَ. وَفِي ذَلِكَ زِيَادَةُ تَلْهِيفٍ لِلْمُخَاطَبِينَ بِأَنْ كَانُوا هُمُ السَّبَبُ فِي ضُرِّ أَنْفُسِهِمْ وَنَفْعِ مَنْ كَانُوا يعدّونهم أعداءهم.
[١١٢- ١١٤]
[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (٢٣) : الْآيَات ١١٢ إِلَى ١١٤]
قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (١١٣) قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤)
قَرَأَ الْجُمْهُورُ: قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ بِصِيغَةِ الْمَاضِي فَيَتَعَيَّنُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يَقَعُ عِنْدَ النَّفْخِ فِي الصُّورِ وَحَيَاةِ الْأَمْوَاتِ مِنَ الْأَرْضِ، فَالْأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ هُوَ جَوَابَ (إِذَا) فِي قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ [الْمُؤْمِنُونَ: ١٠١] . وَالتَّقْدِيرُ: قَالَ اللَّهُ لَهُمْ إِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ. كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ. وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضَاتٌ نَشَأَتْ بِالتَّفْرِيعِ وَالْعَطْفِ وَالْحَالِ وَالْمُقَاوَلَاتِ الْعَارِضَةِ فِي خِلَالِ ذَلِكَ كَمَا عَلِمْتَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute