مِمَّا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ تِلْكَ الْآيِ. وَلَيْسَ مِنَ الْمُنَاسِبِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ حَاصِلًا بَعْدَ دُخُولِ الْكَافِرِينَ النَّارَ، وَالْمُفَسِّرُونَ الَّذِينَ حَمَلُوهُ عَلَى ذَلِكَ تَكَلَّفُوا مَا لَا يُنَاسِبُ انْتِظَامَ الْمَعَانِي.
وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ قُلْ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ. وَالْخِطَابُ لِلْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِإِحْيَاءِ الْأَمْوَات.
وَجُمْلَة: فَسْئَلِ الْعادِّينَ تَفْرِيعٌ عَلَى جُمْلَةِ: لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ تَرَدُّدِهِمْ فِي تَقْدِيرِ مُدَّةِ لَبْثِهِمْ فِي الْأَرْضِ. وَأَرَى فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ أَنَّهُمْ جَاءُوا فِي كَلَامِهِمْ بِمَا كَانَ مُعْتَادُهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ عَدَمِ ضَبْطِ حِسَابِ السِّنِينَ إِذْ كَانَ عِلْمُ مُوَافَقَةِ السِّنِينَ الْقَمَرِيَّةِ لِلسِّنِينَ الشَّمْسِيَّةِ تَقُومُ بِهِ بَنُو كِنَانَةَ الَّذِينَ بِيَدِهِمُ النَّسِيءُ وَيُلَقَّبُونَ بِالنَّسَأَةِ، قَالَ الْكِنَانِيُّ:
وَنَحْنُ النَّاسِئُونَ عَلَى مَعَدٍّ ... شُهُورَ الْحِلِّ نَجْعَلُهَا حَرَامَا
وَالْمُفَسِّرُونَ جَعَلُوا الْمُرَادَ مِنَ الْعَادِّينَ الْمَلَائِكَةَ أَوِ النَّاسَ الَّذِينَ يَتَذَكَّرُونَ حِسَابَ مُدَّةِ الْمُكْثِ. وَلَكِنَّ الْقُرْطُبِيَّ قَالَ: أَيْ سَلِ الْحُسَّابَ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ فَإِنَّا نَسِينَاهُ.
وَقَوْلُهُ: قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا قَرَأَهُ الْجُمْهُور كَمَا قرأوا الَّذِي قَبْلَهُ فَهُوَ حِكَايَةٌ لِلْمُحَاوَرَةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُعْطَفْ فِعْلُ قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا وَهِيَ طَرِيقَةُ حِكَايَةِ الْمُحَاوَرَاتِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٣٠] . وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ كَالَّذِي قَبْلَهُ.
وَالِاسْتِفْهَامُ عَنْ عَدَدِ سَنَوَاتِ الْمُكْثِ فِي الْأَرْضِ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّنْبِيهِ لِيَظْهَرَ لَهُمْ خَطَؤُهُمْ إِذْ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ إِذَا دُفِنُوا فِي الْأَرْضِ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا.
وَانْتُصِبَ عَدَدَ سِنِينَ عَلَى التَّمْيِيزِ لِ كَمْ الِاسْتِفْهَامِيَّةِ وَالتَّمْيِيزُ إِنَّمَا هُوَ سِنِينَ.
وَإِضَافَةُ لَفْظِ عَدَدَ إِلَيْهِ تَأْكِيدٌ لِمَضْمُونِ (كَمْ) لِأَنَّ (كَمْ) اسْمُ اسْتِفْهَامٍ عَنِ الْعَدَدِ فَذِكْرُ لَفْظِ عَدَدَ مَعَهَا تَأْكِيدٌ لِبَعْضِ مَدْلُولِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute