للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة عبس (٨٠) : الْآيَات ١ إِلَى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (٢) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (٤)

افْتِتَاحُ هَذِهِ السُّورَةِ بِفِعْلَيْنِ مُتَحَمِّلَيْنِ لِضَمِيرٍ لَا مَعَادَ لَهُ فِي الْكَلَامِ تَشْوِيقٌ لِمَا سَيُورَدُ بَعْدَهُمَا، وَالْفِعْلَانِ يُشْعِرَانِ بِأَنَّ الْمَحْكِيَّ حَادِثٌ عَظِيمٌ، فَأَمَّا الضَّمَائِرُ فَيُبَيِّنُ إِبْهَامَهَا قَوْلُهُ:

فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى [عبس: ٦] وَأَمَّا الْحَادِثُ فَيَتَبَيَّنُ مِنْ ذِكْرِ الْأَعْمَى وَمَنِ اسْتَغْنَى.

وَهَذَا الْحَادِثُ سَبَبُ نزُول هَذِه الْآيَات مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى قَوْله: بَرَرَةٍ [عبس: ١٦] . وَهُوَ مَا

رَوَاهُ مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّأِ» مُرْسَلًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: أُنْزِلَتْ عَبَسَ وَتَوَلَّى فِي ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ اسْتَدْنِنِي، وَعند النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ فَجَعَلَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرِضُ عَنْهُ (أَيْ عَنِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ) وَيُقْبِلُ عَلَى الْآخَرِ، وَيَقُولُ: يَا أَبَا فُلَانٍ هَلْ تَرَى بِمَا أَقُولُ بَأْسًا فَيَقُولُ: «لَا وَالدِّمَاءِ مَا أَرَى بِمَا تَقول يأسا» ، فَأُنْزِلَتْ: عَبَسَ وَتَوَلَّى

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُسْنَدًا عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِقَرِيبٍ مِنْ هَذَا، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

وَرَوَى الطَّبَرِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُوم جَاءَ يستقرىء النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ وَمِثْلُهُ عَنْ قَتَادَةَ.

وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُ: «كَانَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ يُنَاجِي عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَأَبَا جَهْلٍ، وَالْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ، وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَالنَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْبِلُ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ يَعْرِضُ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ.

وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِ الْأَعْمى هُوَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ. قِيلَ: اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَقِيلَ:

اسْمُهُ عَمْرٌو، وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ فِي «الْإِصَابَةِ» ، وَهُوَ ابْنُ قَيْسِ بْنِ زَائِدَةَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ مِنْ قُرَيْشٍ.

وَأُمُّهُ عَاتِكَةُ، وَكُنِّيَتْ أَمَّ مَكْتُومٍ لِأَنَّ ابْنَهَا عَبْدَ اللَّهِ وُلِدَ أَعْمَى وَالْأَعْمَى يُكَنَّى