وَعَطَفَ قَوْلَهُ: وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لِيَيْأَسَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ مِنْ أَنْ يَكُونُوا عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَحَتَّى لَا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ الْقَصْرَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ قَوْلِهِ: (وَلَكِنْ حَنِيفًا مُسْلِمًا) قَصْرٌ إِضَافِيٌّ بِالنِّسْبَةِ لِلْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، حَيْثُ كَانَ الْعَرَبُ يَزْعُمُونَ أَنهم على ملّلا إِبْرَاهِيمَ لكِنهمْ مشركون.
[٦٨]
[سُورَة آل عمرَان (٣) : آيَة ٦٨]
إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨)
اسْتِئْنَاف ناشيء عَنْ نَفْيِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فَلَيْسَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى وَلَا الْمُشْرِكُونَ بِأَوْلَى النَّاسِ بِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: نَحْنُ أَوْلَى بِدِينِكُمْ.
وَ (أَوْلَى) اسْمُ تَفْضِيلٍ أَيْ أَشَدُّ وَلْيًا أَيْ قُرْبًا مُشْتَقٌّ مِنْ وَلِيَ إِذَا صَارَ وَلِيًّا، وَعُدِّيَ بِالْبَاءِ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الِاتِّصَالِ أَيْ أَخَصُّ النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ وَأَقْرَبُهُمْ مِنْهُ. وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ جَعَلَ أَوْلَى هُنَا بِمَعْنَى أَجْدَرَ فَيَضْطَرُّ إِلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ قَبْلَ قَوْلِهِ: بِإِبْراهِيمَ أَيْ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ.
وَالَّذِينَ اتَّبَعُوا إِبْرَاهِيمَ هُمُ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي حَيَاتِهِ: مِثْلَ لُوطٍ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ، وَلَا اعْتِدَادَ بِمُحَاوَلَةِ الَّذِينَ حَاوَلُوا اتِّبَاعَ الْحَنِيفِيَّةِ وَلَمْ يَهْتَدُوا إِلَيْهَا، مِثْلَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَأُمَيَّةَ ابْن أَبِي الصَّلْتِ، وَأَبِيهِ أَبِي الصَّلْتِ، وَأَبِي قَيْسٍ صِرْمَةَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ،
وَقَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ، أَنْ يُسْلِمَ»
وَهُوَ لَمْ يُدْرِكِ الْإِسْلَامَ فَالْمَعْنَى كَادَ أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا، وَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» : أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ يَسْأَلُ
عَنِ الدِّينِ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ الْيَهُودِ، فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَكُونَ عَلَى دِينِكَ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: إِنَّك لَا تَكُونُ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ نَصِيبَكَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، قَالَ زَيْدٌ: أَفِرُّ إِلَّا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ شَيْئًا أَبَدًا وَأَنَا أَسْتَطِيعُ، فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى دِينٍ لَيْسَ فِيهِ هَذَا؟ قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَنِيفًا، قَالَ: وَمَا الْحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute