للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّهُ:

وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [آل عمرَان: ٩٧] الْآيَةَ فَحَجَّ الْمُسْلِمُونَ وَقَعَدَ الْكُفَّارُ» . ثُمَّ تَمَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَبْطَلَتْ دَعَاوَى الْفِرَقِ الثَّلَاثِ.

وَالْحَنِيفُ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٣٥] .

وَقَوْلُهُ: وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَفَادَ الِاسْتِدْرَاكَ بَعْدَ نَفْيِ الضِّدِّ حَصْرًا لِحَالِ إِبْرَاهِيمَ فِيمَا يُوَافِقُ أُصُولَ الْإِسْلَامِ، وَلِذَلِكَ بَيَّنَ حَنِيفًا بِقَوْلِهِ: مُسْلِماً لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ مَعْنَى الْحَنِيفِيَّةِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِالْإِسْلَامِ، فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْحَنِيفِيَّةُ، وَقَالَ: وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَنَفَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ مُوَافَقَةَ الْيَهُودِيَّةِ،. وَمُوَافَقَةَ النَّصْرَانِيَّةِ، وَمُوَافَقَةَ الْمُشْرِكِينَ، وَأَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا، فَثَبَتَتْ مُوَافَقَتُهُ الْإِسْلَامَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ- فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٣٥] فِي مَوَاضِعَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَأَلَ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، وَأَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، وَأَنَّهُ كَانَ حَنِيفًا، وَأَنَّ الْإِسْلَامَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّد رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي كَانَ جَاءَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُبْقِي شَكًّا فِي أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ إِسْلَامُ إِبْرَاهِيمَ.

وَقَدْ بَيَّنْتُ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ [آل عمرَان: ٢٠] الْأُصُولَ الدَّاخِلَةَ تَحْتَ مَعْنَى أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ فَلْنَفْرِضْهَا فِي مَعْنَى قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [الْأَنْعَام: ٧٩] فَقَدْ جَاءَ إِبْرَاهِيمُ بِالتَّوْحِيدِ، وَأَعْلَنَهُ إِعْلَانًا لَمْ يَتْرُكْ لِلشِّرْكِ مَسْلَكًا إِلَى نُفُوسِ الْغَافِلِينَ، وَأَقَامَ هَيْكَلًا وَهُوَ الْكَعْبَةُ، أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ،- وَفَرَضَ حَجَّهُ عَلَى النَّاسِ: ارْتِبَاطًا بِمَغْزَاهُ، وَأَعْلَنَ تَمَامَ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ

تَعَالَى بِقَوْلِهِ: وَلا أَخافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً [الْأَنْعَام: ٨٠] وَأَخْلَصَ الْقَوْلَ وَالْعَمَلَ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَالَ: وَكَيْفَ أَخافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً [الْأَنْعَام: ٨١] وَتَطَلَّبَ الْهُدَى بِقَوْلِهِ: رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ [الْبَقَرَة: ١٢٨]- وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا [الْبَقَرَة: ١٢٨] وَكَسَّرَ الْأَصْنَامَ بِيَدِهِ فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً [الْأَنْبِيَاء: ٥٨] ، وَأَظْهَرَ الِانْقِطَاعَ لِلَّهِ بِقَوْلِهِ: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ [الشُّعَرَاء: ٧٨- ٨١] ، وَتَصَدَّى لِلِاحْتِجَاجِ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ وَصِفَاتِ اللَّهِ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ [الْبَقَرَة: ٢٥٨]- وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ [الْأَنْعَام: ٨٣]- وَحاجَّهُ قَوْمُهُ [الْأَنْعَام: ٨٠] .