للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الحاقة (٦٩) : آيَة ٥١]

وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١)

عَطْفٌ عَلَى وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ [الحاقة: ٥٠] فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى الْقُرْآنِ لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ صِفَاتِ الْقُرْآنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ الْمَذْكُورَ وَهُوَ كَوْنُ الْقُرْآنِ حَسْرَةً عَلَى الْكَافِرِينَ، أَيْ أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَا مَحَالَةَ أَيْ هُوَ جَالِبٌ لِحَسْرَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا

وَالْآخِرَة.

وَإِضَافَةُ حق إِلَى يَقِين يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ، أَيْ إِنَّهُ لَلْيَقِينُ الْحَقُّ الْمَوْصُوفُ بِأَنَّهُ يَقِينٌ لَا يَشُكُّ فِي كَوْنِهِ حَقًّا إِلَّا مَنْ غُشِيَ عَلَى بَصِيرَتِهِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِ الْإِضَافَةِ مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ، أَيْ لِلْيَقِينِ الْحَقِّ، أَيِ الَّذِي لَا تَعْتَرِيهِ شُبْهَةٌ.

وَاعْلَمْ أَنَّ حَقَّ الْيَقِينِ، وَعَيْنَ الْيَقِينِ، وَعِلْمَ الْيَقِينِ، وَقَعَتْ فِي الْقُرْآنِ.

فَحَقُّ الْيَقِينِ وَقَعَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَفِي آخِرِ سُورَةِ الْوَاقِعَةِ، وَعَلْمُ الْيَقِينِ وَعَيْنُ الْيَقِينِ وَقَعَا فِي سُورَةِ التَّكَاثُرِ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ إِضَافَتُهَا مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ أَوْ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَمَعْنَى كُلِّ مُرَكَّبٍ مِنْهَا هُوَ مُحَصَّلُ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ كَلِمَتَاهُ وَإِضَافَةُ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى.

وَقَدِ اصْطَلَحَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَعْلِ كَلِمَةِ (عَلْمُ الْيَقِينِ) اسْمًا اصْطِلَاحِيًّا لِمَا أَعْطَاهُ الدَّلِيلُ بِتَصَوُّرِ الْأُمُورِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ حَسَبَ كَلَامِ السَّيِّدِ الْجُرْجَانِيِّ فِي كِتَابِ «التَّعْرِيفَاتِ» ، وَوَقَعَ فِي كَلَامِ أَبِي الْبَقَاءِ فِي «الْكُلِّيَّاتِ» مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْمُرَكَّبَاتِ نُقِلَتْ فِي بَعْضِ الْاصْطِلَاحَاتِ الْعِلْمِيَّةِ فَصَارَتْ أَلْقَابًا لِمَعَانٍ، وَقَالَ: عِلْمُ الْيَقِينِ لِأَصْحَابِ الْبُرْهَانِ، وَعَيْنُ الْيَقِينِ وَحَقُّ الْيَقِينِ أَيْضًا لِأَصْحَابِ الْكَشْفِ وَالْعِيَانِ كَالْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِهِمْ فِي الْمَرَاتِبِ، قَالَ: وَقَدْ حَقَّقَ الْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْحُكَمَاءِ بِأَنَّ بَعْدَ الْمَرَاتِبِ الْأَرْبَعِ لِلنَّفْسِ (يَعْنِي مَرَاتِبَ تَحْصِيلِ الْعِلْمِ لِلنَّفْسِ الْمَذْكُورَةَ فِي الْمَنْطِقِ الْأَوَّلِيَّاتِ، وَالْمُشَاهَدَاتِ الْبَاطِنِيَّةَ، وَالتَّجْرِيبَاتِ، وَالْمُتَوَاتِرَاتِ) مَرْتَبَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا مَرْتَبَةُ عَيْنِ الْيَقِينِ وَهِيَ أَنْ تَصِيرَ النَّفْسُ بِحَيْثُ تُشَاهِدُ الْمَعْقُولَاتِ فِي الْمَعَارِفِ الَّتِي تَفِيضُهَا النَّفْسُ كَمَا هِيَ، وَالثَّانِيَةُ مَرْتَبَةُ حَقِّ الْيَقِينِ وَهِيَ أَنْ تَصِيرَ النَّفْسُ بِحَيْثُ تَتَّصِلُ بِالْمَعْقُولَاتِ اتِّصَالًا عَقْلِيًّا وَتُلَاقِي ذَاتَهَا تَلَاقِيًا رُوحَانِيًّا.

وَاصْطَلَحَ