للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الِاسْتِعْمَالِ مَا يَشْهَدُ لِهَذَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً فِي هَذِه السُّورَة [النِّسَاء: ١٠] . وَ (نُصَلِيهِ) نَجْعَلُهُ صَالِيًا أَوْ مُحْتَرِقًا، وَقَدْ مَضَى فِعْلُ صَلِيَ أَيْضًا، وَوَجْهُ نَصْبِ (نَارًا) هُنَالِكَ، وَالْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى كُلِّيَّتَيْنِ مِنْ كُلِّيَّاتِ الشَّرِيعَةِ: وَهُمَا حِفْظُ الْأَمْوَالِ، وَحِفْظُ الْأَنْفُسِ، مِنْ قِسْمِ الْمُنَاسب الضَّرُورِيّ.

[٣١]

[سُورَة النِّسَاء (٤) : آيَة ٣١]

إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (٣١)

اعْتِرَاضٌ نَاسَبَ ذِكْرُهُ بَعْدَ ذِكْرِ ذَنْبَيْنِ كَبِيرَيْنِ: وَهُمَا قَتْلُ النَّفْسِ، وَأَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ فِي التَّفَنُّنِ مِنْ أُسْلُوبٍ إِلَى أُسْلُوبٍ، وَفِي انْتِهَازِ الْفُرَصِ فِي إِلْقَاءِ التَّشْرِيعِ عَقِبَ الْمَوَاعِظِ وَعَكْسِهِ.

وَقَدْ دَلَّتْ إِضَافَةُ كَبائِرَ إِلَى مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ عَلَى أَنَّ الْمَنْهِيَّاتِ قِسْمَانِ: كَبَائِرُ، وَدُونَهَا وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى الصَّغَائِرَ، وَصْفًا بِطَرِيقِ الْمُقَابَلَةِ، وَقَدْ سُمِّيَتْ هُنَا سَيِّئَاتٌ. وَوَعَدَ بِأَنَّهُ يَغْفِرُ السَّيِّئَاتِ لِلَّذِينِ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْمَنْهِيَّاتِ، وَقَالَ فِي آيَةِ النَّجْمِ [٣٢] الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ فَسَمَّى الْكَبَائِرَ فَوَاحِشَ وَسَمَّى مُقَابِلَهَا اللَّمَمَ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَعَاصِيَ عِنْدَ اللَّهِ قِسْمَانِ: مَعَاصٍ كَبِيرَةٌ فَاحِشَةٌ، وَمَعَاصٍ دُونَ ذَلِكَ يَكْثُرُ

أَنْ يُلِمَّ الْمُؤْمِنُ بِهَا، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي تَعْيِينِ الْكَبَائِرِ. فَعَنْ عَلِيٍّ: هِيَ سَبْعٌ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَالتَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ. وَاسْتَدَلَّ لِجَمِيعِهَا بِمَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَدِلَّةِ جَازِمِ النَّهْيِ عَنْهَا.

وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اتَّقُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ ... »

فَذَكَرَ الَّتِي ذَكَرَهَا عَلِيٌّ إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَ السِّحْرَ عِوَضَ التَّعَرُّبِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: هِيَ تِسْعٌ بِزِيَادَةِ الْإِلْحَادِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هِيَ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ إِلَى هُنَا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُلُّ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ وَعِيدُ نَارٍ أَوْ عَذَابٌ أَوْ لَعْنَةٌ فَهُوَ كَبِيرَةٌ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْكَبَائِرُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِهِ. وَأحسن ضبط الْكَبِيرَة قَوْلُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ: هِيَ كُلُّ جَرِيمَةٍ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ