وَجُمْلَةُ أَوْ يَذَّكَّرُ عَطْفٌ عَلَى يَزَّكَّى، أَيْ مَا يُدْرِيكَ أَنْ يَحْصُلَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ وَكِلَاهُمَا مُهِمٌّ، أَيْ تَحْصُلُ الذِّكْرَى فِي نَفْسِهِ بِالْإِرْشَادِ لِمَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ أَوْ تَذَكُّرٌ لِمَا كَانَ فِي غَفْلَةٍ عَنْهُ.
وَالذِّكْرَى: اسْمُ مَصْدَرِ التَّذْكِيرِ.
وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى اكْتِفَاءٌ عَنْ أَنْ يَقُولَ: فَيَنْفَعُهُ التَّزَكِّي وَتَنْفَعُهُ الذِّكْرَى لِظُهُورِ أَنَّ كِلَيْهِمَا نَفْعٌ لَهُ.
وَالذِّكْرَى: هُوَ الْقُرْآنُ لِأَنَّهُ يُذَكِّرُ النَّاسَ بِمَا يَغْفُلُونَ عَنْهُ قَالَ تَعَالَى: وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ [الْقَلَم: ٥٢] فَقَدْ كَانَ فِيمَا سَأَلَ عَنْهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ آيَاتٌ مِنَ الْقُرْآنِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: فَتَنْفَعَهُ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى «يَذَّكَّرُ» . وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ بِالنَّصْبِ فِي جَوَابِ: لَعَلَّهُ يَزَّكَّى [٥، ٦]
[سُورَة عبس (٨٠) : الْآيَات ٥ إِلَى ٦]
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦)
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى أَمَّا فِي سُورَةِ النَّازِعَاتِ أَنَّهَا بِمَعْنَى: مَهْمَا يَكُنْ شَيْءٌ، فَقَوْلُهُ:
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى تَفْسِيرُهُ مَهْمَا يَكُنِ الَّذِي اسْتَغْنَى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى، أَيْ مَهْمَا يَكُنْ شَيْءٌ فَالَّذِي اسْتَغْنَى تَتَصَدَّى لَهُ، وَالْمَقْصُودُ: أَنْتَ تَحْرِصُ عَلَى التَّصَدِّي لَهُ، فَجُعِلَ مَضْمُونُ الْجَوَابِ وَهُوَ التَّصَدِّي لَهُ مُعَلَّقًا عَلَى وُجُودِ مَنِ اسْتَغْنَى وَمُلَازِمًا لَهُ مُلَازَمَةَ التَّعْلِيقِ الشَّرْطِيِّ
عَلَى طَرِيقَةِ الْمُبَالَغَةِ.
وَالِاسْتِغْنَاءُ: عَدُّ الشَّخْصِ نَفْسَهُ غَنِيًّا فِي أَمْرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ قَوْلٌ، أَوْ فِعْلٌ أَوْ عِلْمٌ، فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلْحُسْبَانِ، أَيْ حَسِبَ نَفْسَهُ غَنِيًّا، وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ الِاسْتِغْنَاءُ فِي التَّكَبُّرِ وَالِاعْتِزَازِ بِالْقُوَّةِ.
فَالْمُرَادُ بِ مَنِ اسْتَغْنى هُنَا: مَنْ عَدَّ نَفْسَهُ غَنِيًّا عَنْ هَدْيِكَ بِأَنْ أَعْرَضَ عَنْ قَبُولِهِ لِأَنَّهُ أَجَابَ
قَوْلَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ: «هَلْ تَرَى بِمَا أَقُولُ بَأْسًا، بِقَوْلِهِ: لَا والدماء ... »
كِنَايَة عَن أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ يُرِيدُ وَلَكِنِّي غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِ مَنِ اسْتَغْنى مَنِ اسْتَغْنَى بِالْمَالِ إِذْ لَيْسَ الْمَقَامُ فِي إِيثَارِ صَاحِبِ مَالٍ عَلَى فَقِيرٍ.