للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجُمْلَةُ: وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ تَذْيِيلٌ. وَالسَّرِيعُ: ضِدُّ الْبَطِيءِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَا يُمَاطِلُ الْحِسَابَ وَلَا يُؤَخِّرُهُ عِنْدَ حُلُولِ مُقْتَضِيهِ، فَهُوَ عَامٌّ فِي حِسَابِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَلِذَلِكَ كَانَ تَذْيِيلًا.

وَاعْلَمْ أَن هَذَا التمثل الْعَجِيبَ صَالِحٌ لِتَفْرِيقِ أَجْزَائِهِ فِي التَّشْبِيهِ بِأَنْ يَنْحَلَّ إِلَى تَشْبِيهَاتٍ وَاسْتِعَارَاتٍ. فَأَعْمَالُ الْكَافِرِينَ شَبِيهَةٌ بِالسَّرَابِ فِي أَنَّ لَهَا صُورَةَ الْمَاءِ وَلَيْسَتْ بِمَاءٍ، وَالْكَافِرُ يُشْبِهُ الظَّمْآنَ فِي الِاحْتِيَاجِ إِلَى الِانْتِفَاعِ بِعَمَلِهِ. فَفِي قَوْلِهِ: يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ اسْتِعَارَةٌ مُصَرِّحَةٌ، وَخَيْبَةُ الْكَافِرِ عِنْدَ الْحِسَابِ تُشْبِهُ خَيْبَةَ الظَّمْآنِ عِنْدَ مَجِيئِهِ السَّرَابَ فَفِيهِ اسْتِعَارَةٌ مُصَرِّحَةٌ، وَمُفَاجَأَةُ الْكَافِرِ بِالْأَخْذِ وَالْعَتْلِ مِنْ جُنْدِ اللَّهِ أَوْ بِتَكْوِينِ اللَّهِ تُشْبِهُ مُفَاجَأَةَ مَنْ حَسِبَ أَنَّهُ يَبْلُغُ الْمَاءَ لِلشَّرَابِ فَبَلَغَ إِلَى حَيْثُ تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَا مَاءَ فَوَجَدَ عِنْدَ الْمَوْضِعِ الَّذِي بَلَغَهُ مَنْ يَتَرَصَّدُ لَهُ لِأَخْذِهِ أَوْ أَسْرِهِ. فَهُنَا اسْتِعَارَةٌ مَكْنِيَّةٌ إِذْ شَبَّهَ أَمْرَ اللَّهِ أَوْ مَلَائِكَتَهُ بِالْعَدُوِّ، وَرَمَزَ إِلَى الْعَدُوِّ بِقَوْلِهِ: فَوَفَّاهُ حِسابَهُ. وَتَعْدِيَةُ فِعْلِ وَجَدَ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ هِيَ تَعْدِيَةُ الْمجَاز الْعقلِيّ.

[٤٠]

[سُورَة النُّور (٢٤) : آيَة ٤٠]

أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠)

شَأْنُ أَوْ إِذَا جَاءَتْ فِي عَطْفِ التَّشْبِيهَاتِ أَنْ تَدُلَّ عَلَى تَخْيِيرِ السَّامِعِ أَنْ يُشَبَّهَ بِمَا قَبْلَهَا وَبِمَا بَعْدَهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٩] ، أَيْ مَعَ اتِّحَادِ وَجْهِ الشَّبَهِ. وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

يُضِيءُ سَنَاهُ أَوْ مَصَابِيحُ رَاهِبٍ............... ...........