[سُورَة إِبْرَاهِيم (١٤) : الْآيَات ١١ إِلَى ١٢]
قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى مَا آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢)
قَوْلُ الرُّسُلِ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ جَوَابٌ بِطَرِيقِ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ فِي عِلْمِ آدَابِ الْبَحْثِ، وَهُوَ تَسْلِيمُ الدَّلِيلِ مَعَ بَقَاء النزاع بِبَيَانِ مَحَلِّ الِاسْتِدْلَالِ غَيْرُ تَامِّ الْإِنْتَاجِ، وَفِيهِ إِطْمَاعٌ فِي الْمُوَافَقَةِ. ثُمَّ كَرَّ عَلَى اسْتِدْلَالِهِمُ الْمَقْصُودُ بِالْإِبْطَالِ بِتَبْيِينِ خَطَئِهِمْ.
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [سُورَة المُنَافِقُونَ: ٨] .
وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْقَوَادِحِ فِي عِلْمِ الْجَدَلِ شَدِيدُ الْوَقْعِ عَلَى الْمُنَاظِرِ، فَلَيْسَ قَوْلُ الرُّسُلِ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ تَقْرِيرًا لِلدَّلِيلِ وَلَكِنَّهُ تَمْهِيدٌ لِبَيَانِ غَلَطِ الْمُسْتَدِلِّ فِي الِاسْتِنْتَاجِ مِنْ دَلِيلِهِ. وَمَحَلُّ الْبَيَانِ هُوَ الِاسْتِدْرَاكُ فِي قَوْلِهِ: وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ [سُورَة إِبْرَاهِيم: ١١] . وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْبَشَرِيَّةِ لَا تَقْتَضِي الْمُمَاثَلَةَ فِي زَائِدٍ عَلَيْهَا فَالْبَشَرُ كُلُّهُمْ عِبَادُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ بِنِعَمٍ لَمْ يُعْطِهَا غَيْرَهُمْ.
فَالِاسْتِدْرَاكُ رَفْعٌ لِمَا تَوَهَّمُوهُ مِنْ كَوْنِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْبَشَرِيَّةِ مُقْتَضَى الِاسْتِوَاءِ فِي كُلِّ خَصْلَةٍ.
وَأَوْرَدَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَرَفَةَ فِي «التَّفْسِيرِ» وَجْهًا لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ إِذْ زِيدَ فِيهَا كَلِمَةُ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ: قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ [سُورَة إِبْرَاهِيم: ١٠] وَبَيْنَ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا إِذْ قَالَ فِيهَا قالَتْ رُسُلُهُمْ بِوَجْهَيْنِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute