أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ خَاصَّةً بِالْمُكَذِّبِينَ مِنْ قَوْمِهِمْ يَقُولُونَهَا لِغَيْرِهِمْ إِذْ هُوَ جَوَابٌ عَنْ كَلَامٍ صَدَرَ مِنْهُمْ وَالْمَقَالَةُ الْأُولَى يَقُولُونَهَا لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ، أَيْ لِلْمُصَدِّقِينَ وَالْمُكَذِّبِينَ.
وَثَانِيهِمَا: أَنَّ وُجُودَ اللَّهِ أَمْرٌ نَظَرِيٌّ، فَكَانَ كَلَامُ الرُّسُلِ فِي شَأْنِهِ خِطَابًا لِعُمُومِ قَوْمِهِمْ، وَأَمَّا بَعْثَةُ الرُّسُلِ فَهِيَ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى نَظَرٍ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَا قَالُوا هَذَا إِلَّا لِلْمُكَذِّبِينَ لِغَبَاوَتِهِمْ وَجَهْلِهِمْ لَا لِغَيْرِهِمْ.
وَأَجَابَ الْأَبِيُّ أَنَّ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ خِطَابٌ لِمَنْ عَانَدَ فِي أَمْرٍ ضَرُورِيٍّ، فَكَأَنَّ
الْمُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ يُجِيبُ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَلَا يُقْبِلُ بِالْجَوَابِ عَلَى الْمُخَاطَبِ لِمُعَانَدَتِهِ فَيُجِيبُ وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ: إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ فَإِنَّهُ تَقْرِيرٌ لِمَقَالَتِهِمْ فَهُمْ يُقْبِلُونَ عَلَيْهِمْ بِالْجَوَابِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُبْطِلُوا كَلَامَهُمْ بِالْإِطْلَاقِ بَلْ يُقَرِّرُونَهُ وَيَزِيدُونَ فِيهِ اه.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ زِيَادَةَ لَهُمْ تُؤْذِنُ بِالدَّلَالَةِ عَلَى تَوَجُّهِ الرُّسُلِ إِلَى قَوْمِهِمْ بِالْجَوَابِ لِمَا فِي الْجَوَابِ عَنْ كَلَامِهِمْ مِنَ الدِّقَّةِ الْمُحْتَاجَةِ إِلَى الِاهْتِمَامِ بِالْجَوَابِ بِالْإِقْبَالِ عَلَيْهِمْ إِذِ اللَّامُ الدَّاخِلَةُ بَعْدَ فِعْلِ الْقَوْلِ فِي نَحْوِ: أَقُولُ لَكَ، لَامُ تَعْلِيلٍ، أَيْ أَقُولُ قَوْلِي لِأَجْلِكَ.
ثُمَّ عَطَفُوا عَلَى ذَلِكَ تَبْيِينُ أَنَّ مَا سَأَلَهُ الْقَوْمُ مِنَ الْإِتْيَانِ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ وَلَكِنَّهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَلَيْسَ اللَّهُ بِمُكْرَهٍ عَلَى إِجَابَةِ مَنْ يَتَحَدَّاهُ.
وَجُمْلَةُ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ أَمْرٌ لِمَنْ آمَنَ مِنْ قَوْمِهِمْ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ، وَقَصَدُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ قَصْدًا أَوَّلِيًّا لِأَنَّهُمْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِمْ: وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا إِلَى آخِرِهِ.
وَلَمَّا كَانَ حُصُولُ إِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى بِتَأْيِيدِ الرُّسُل بِالْحجَّةِ المسئولة غَيْرَ مَعْلُومِ الْمِيقَاتِ وَلَا مُتَعَيَّنَ الْوُقُوعِ وَكَانَتْ مُدَّةُ تَرَقُّبِ ذَلِكَ مَظِنَّةً لِتَكْذِيبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute