[سُورَة الْإِنْسَان (٧٦) : آيَة ١٩]
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (١٩)
هَذَا طَوَافٌ آخَرُ غَيْرُ طَوَافِ السُّقَاةِ الْمَذْكُورِ آنِفًا بِقَوْلِهِ: وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ [الْإِنْسَان: ١٥] إِلَخْ فَهَذَا طَوَافٌ لِأَدَاءِ الْخِدْمَةِ فَيَشْمَلُ طَوَافَ السُّقَاةِ وَغَيْرِهِمْ.
ووِلْدانٌ: جَمْعُ وَلِيدٍ وَأَصْلُ وَلِيدٍ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَيُطْلَقُ الْوَلِيدُ عَلَى الصَّبِيِّ مَجَازًا مَشْهُورًا بِعَلَاقَةِ مَا كَانَ، لِقَصْدِ تَقْرِيبِ عَهْدِهِ بِالْولادَةِ، وَأحسن من يُتَّخَذُ لِلْخِدْمَةِ الْوِلْدَانُ لِأَنَّهُمْ أَخَفُّ حَرَكَةٍ وَأَسْرَعُ مَشْيًا وَلِأَنَّ الْمَخْدُومَ لَا يَتَحَرَّجُ إِذَا أَمَرَهُمْ أَوْ نَهَاهُمْ.
وَوُصِفُوا بِأَنَّهُمْ مُخَلَّدُونَ للاحتراس مِمَّا قد يُوهِمُهُ اشْتِقَاقُ وِلْدانٌ مِنْ أَنَّهُمْ يَشِبُّونَ وَيِكْتَهِلُونَ، أَيْ لَا تَتَغَيَّرُ صِفَاتُهُمْ فَهُمْ وِلْدَانٌ دَوْمًا وَإِلَّا فَإِنَّ خُلُودَ الذَّوَاتِ فِي الْجَنَّةِ مَعْلُومٌ فَمَا كَانَ ذِكْرُهُ إِلَّا لِأَنَّهُ تَخْلِيدٌ خَاصٌّ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مُخَلَّدُونَ: مُحَلَّوْنَ بِالْخِلَدَةِ بِوَزْنِ قِرَدَةٍ. وَاحِدُهُا خُلْدٌ كَقُفْلٍ وَهُوَ اسْمٌ لِلْقُرْطِ فِي لُغَةِ حِمْيَرَ.
وَشُبِّهُوا بِاللُّؤْلُؤِ الْمَنْثُورِ تَشْبِيهًا مُقَيَّدًا فِيهِ الْمُشَبَّهُ بِحَالٍ خَاصٍّ لِأَنَّهُمْ شُبِّهُوا بِهِ فِي حُسْنِ الْمَنْظَرِ مَعَ التَّفَرُّقِ.
وَتَرْكِيبُ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ مُفِيدٌ لِلتَّشْبِيهِ الْمُرَادِ بِهِ التَّشَابُهُ وَالْخِطَابُ فِي رَأَيْتَ [الْإِنْسَان: ٢٠] خِطَابٌ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، أَيْ إِذَا رَآهُ الرَّائِي.
وَالْقَوْلُ فِي مَعْنَى الطَّوَافِ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ الْآيَة [الْإِنْسَان: ١٥] .
[٢٠]
[سُورَة الْإِنْسَان (٧٦) : آيَة ٢٠]
وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (٢٠)
الْخِطَابُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ. وثَمَّ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَكَانِ وَلَا يَكُونُ إِلَّا ظَرْفًا وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ هُنَا
مَا جَرَى ذِكْرُهُ أَعْنِي الْجَنَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي قَوْلِهِ: وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً [الْإِنْسَان: ١٢] .