وَ (سَلْسَبِيلَ) : وَصْفٌ قِيلَ مُشْتَقٌّ مِنَ السَّلَاسَةِ وَهِيَ السُّهُولَةُ وَاللِّينُ فَيُقَالُ: مَاءٌ سَلْسَلُ، أَيْ عَذْبٌ بَارِدٌ. قِيلَ: زِيدَتْ فِيهِ الْبَاءُ وَالْيَاءُ (أَيْ زِيدَتَا فِي أَصْلِ الْوَضْعِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ) .
قَالَ التَّبْرِيزِيُّ فِي «شَرْحِ الْحَمَاسَةِ» فِي قَوْلِ الْبَعِيثِ بْنِ حُرَيْثٍ:
خَيَالٌ لِأُمِّ السَّلْسَبِيلَ وَدُونَهَا ... مَسِيرَةُ شَهْرٍ لِلْبَرِيدِ الْمُذَبْذَبِ
قَالَ أَبُو الْعَلَاءِ: السَّلْسَبِيلُ الْمَاءُ السَّهْلُ الْمَسَاغِ. وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ رُكِّبَ مِنْ مَادَّتِي السَّلَاسَةِ وَالسَّبَالَةِ، يُقَالُ: سَبَلَتِ السَّمَاءُ، إِذَا أَمْطَرَتْ، فَسَبِيلُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، رُكِّبَ مِنْ كَلِمَتِي السَّلَاسَةِ وَالسَّبِيلِ لِإِرَادَةِ سُهُولَةِ شُرْبِهِ وَوَفْرَةِ جَرْيِهِ. وَهَذَا مِنَ الِاشْتِقَاقِ الْأَكْبَرِ وَلَيْسَ باشْتِقَاقٍ تَصْرِيفِيٍّ.
فَهَذَا وَصْفٌ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ عِنْدَ مُحَقِّقِي أَهْلِ اللُّغَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: لَمْ أَسْمَعْ هَذِهِ اللَّفْظَةَ إِلَّا فِي الْقُرْآنِ، فَهُوَ عِنْدَهُ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ الْقُرْآنِ الْجَارِيَةِ عَلَى أَسَالِيبِ الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ، وَفِي «حَاشِيَةِ الْهَمَذَانِيِّ عَلَى الْكَشَّافِ» نِسْبَة بَيت الْبَعْث الْمَذْكُورِ آنِفًا مَعَ بَيْتَيْنِ بَعْدَهُ إِلَى أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ وَهُوَ عَزٌو غَرِيبٌ لَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ.
وَمَعْنَى تُسَمَّى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، أَنَّهَا تُوصَفُ بِهَذَا الْوَصْفِ حَتَّى صَارَ كَالْعَلَمِ لَهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى [النَّجْم: ٢٧] أَيْ يَصِفُونَهُمْ بِأَنَّهُمْ إِنَاثٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مَرْيَم: ٦٥] أَيْ لَا مَثِيلَ لَهُ. فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ عَلَمٌ.
وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ جَعَلَ التَّسْمِيَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا وَجَعَلَ سَلْسَبِيلًا عَلَمًا عَلَى هَذِهِ الْعَيْنِ، وَهُوَ أَنْسَبُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: تُسَمَّى. وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ وَالْجُمْهُورِ: لَا
إِشْكَالَ فِي تَنْوِينِ سَلْسَبِيلًا. وَأَمَّا الْجَوَالِيقِيُّ: إِنَّهُ أَعْجَمِيٌّ سُمِّيَ بِهِ، يَكُونُ تَنْوِينُهُ لِلْمُزَاوَجَةِ مِثْلَ تَنْوِين سلاسلا [الْإِنْسَان: ٤] .
وَهَذَا الْوَصْفُ يَنْحَلُّ فِي السَّمْعِ إِلَى كَلِمَتَيْنِ: سَلْ، سَبِيلًا، أَيِ اطْلُبْ طَرِيقًا. وَقَدْ فَسَّرَهُ بِذَلِكَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ وَذُكِرَ أَنَّهُ جُعِلَ عَلَمًا لِهَذِهِ الْعَيْنِ مِنْ قَبِيلِ الْعَلَمِ الْمَنْقُولِ عَنْ جُمْلَةٍ مَثْلَ: تَأَبَّطَ شَرًّا، وَذَرَّى حَبًّا. وَفِي «الْكَشَّافِ» أَنَّ هَذَا تكلّف وابتداع.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute