للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَأْسًا إِلَّا إِذَا كَانَ فِيهَا خَمْرٌ فَكَوْنُ الْخَمْرِ فِيهَا هُوَ مُصَحِّحُ تَسْمِيَتِهَا كَأْسًا، وَلِذَلِكَ حَسُنَ تَعْدِيَةُ فِعْلِ السَّقْيِ إِلَى الْكَأْسِ لِأَنَّ مَفْهُومَ الْكَأْسِ يَتَقَوَّمُ بِمَا فِي الْإِنَاءِ مِنَ الْخَمْرِ، وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُ الْأَعْشَى:

وَكَأْسٌ شَرِبْتُ عَلَى لَذَّةٍ ... وَأُخْرَى تَدَاوَيْتُ مِنْهَا بِهَا

يُرِيدُ: وَخَمْرٌ شَرِبْتُ.

وَالْقَوْلُ فِي إِطْلَاقِ الْكَأْسِ عَلَى الْإِنَاءِ أَوْ عَلَى مَا فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي نَظِيرِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً [الْإِنْسَان: ٥] .

وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ هَذِهِ سَقْيَةٌ أُخْرَى، أَيْ مَرَّةً يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ مِزَاجُهَا الْكَافُورُ وَمَرَّةً يُسْقَوْنَ كَأْسًا مِزَاجُهَا الزَّنْجَبِيلُ.

وَضَمِيرُ فِيها لِلْجَنَّةِ مِنْ قَوْلِهِ: جَنَّةً وَحَرِيراً [الْإِنْسَان: ١٢] .

وَزَنْجَبِيلُ: كَلِمَةٌ مُعَرَّبَةٌ وَأَصْلُهَا بِالْكَافِ الْأَعْجَمِيَّةِ عِوَضِ الْجِيمِ. قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ وَالثَّعَالِبِيُّ: هِيَ فَارِسِيَّةٌ، وَهُوَ اسْمٌ لِجُذُورٍ مِثْلَ جُذُورِ السُعْدِ بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ تَكُونُ فِي الْأَرْضِ كَالْجَزَرِ الدَّقِيقِ وَاللِّفْتِ الدَّقِيقِ لَوْنُهُا إِلَى الْبَيَاضِ لَهَا نَبَاتٌ لَهُ زَهْرٌ، وَهِيَ ذَاتُ رَائِحَةٍ عِطْرِيَّةٍ طَيِّبَةٍ وَطَعْمُهُا شَبِيهٌ بِطَعْمِ الْفِلْفِلِ، وَهُوَ يَنْبُتُ بِبِلَادِ الصِّينِ وَالسِّنَدِ وَعُمَانَ وَالشِّحْرِ، وَهُوَ أَصْنَافٌ أَحْسَنُهَا مَا يَنْبُتُ بِبِلَادِ الصِّينِ، وَيَدْخُلُ فِي الْأَدْوِيَةِ وَالطَّبْخِ كَالْأَفَاوِيَةِ وَرَائِحَتُهُ بُهَارِيَةٌ وَطَعْمُهُ حَرِيفٌ. وَهُوَ مُنَبِّهٌ وَيُسْتَعْمَلُ مَنْقُوعًا فِي الْمَاءِ وَمُرَبَّى بِالسُّكَّرِ.

وَقَدْ عَرَفَهُ الْعَرَبُ وَذَكَرَهُ شُعَرَاءُ الْعَرَبِ فِي طَيِّبِ الرَّائِحَةِ.

أَيْ يَمْزُجُونَ الْخَمْرَ بِالْمَاءِ الْمَنْقُوعِ فِيهِ الزَّنْجَبِيلُ لِطِيبِ رَائِحَتِهِ وَحُسْنِ طَعْمِهِ.

وَانْتَصَبَ عَيْناً عَلَى الْبَدَلِ مِنْ زَنْجَبِيلًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: كانَ مِزاجُها كافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ [الْإِنْسَان: ٥، ٦] .

وَمَعْنَى كَوْنِ الزَّنْجَبِيلِ عَيْنًا: أَنْ مَنْقُوعَهُ أَوِ الشَّرَابُ الْمُسْتَخْرَجُ مِنْهُ كَثِيرٌ كَالْعَيْنِ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ [مُحَمَّد: ١٥] ، أَيْ هُوَ كَثِيرٌ جِدًّا وَكَانَ يُعْرَفُ فِي الدُّنْيَا بِالْعِزَّةِ.