وَالْأَمْرُ بِالتَّقْوَى عَقِبَ ذَلِكَ لأنّها أظهر للشكر، فَعَطَفَ الْأَمْرَ بِالتَّقْوَى بِالْوَاوِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ التَّقْوَى مَقْصُودَةٌ لِذَاتِهَا، وَأَنَّهَا شُكْرٌ لِلَّهِ بِدَلَالَةِ وُقُوعِ الْأَمْرِ عَقِبَ التَّذْكِيرِ بِنِعْمَةٍ عُظْمَى.
وَقَوْلُهُ: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ أَمْرٌ لَهُمْ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى اللَّهِ دُونَ غَيْرِهِ. وَذَلِكَ التَّوَكُّلُ يَعْتَمِدُ امْتِثَالَ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابَ الْمَنْهِيَّاتِ فَنَاسَبَ التَّقْوَى. وَكَانَ مِنْ مَظَاهِرِهِ تِلْكَ النِّعْمَةُ الَّتِي ذكّروا بهَا.
[١٢]
[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : آيَة ١٢]
وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٢)
نَاسَبَ ذِكْرُ مِيثَاقِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَقِبَ ذِكْرِ مِيثَاقِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَوْلِهِ: وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ [الْمَائِدَة: ٧] تَحْذِيرًا مِنْ أَنْ يَكُونَ مِيثَاقُنَا كَمِيثَاقِهِمْ. وَمَحَلُّ الْمَوْعِظَةِ هُوَ قَوْلُهُ:
فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ. وَهَكَذَا شَأْنُ الْقُرْآنِ فِي التَّفَنُّنِ وَمَجِيءِ الْإِرْشَادِ فِي قَالَبِ الْقِصَصِ، وَالتَّنَقُّلِ مِنْ أُسْلُوبٍ إِلَى أُسْلُوبٍ.
وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ بِقَدْ وَبِاللَّامِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ، كَمَا يَجِيءُ التَّأْكِيدُ بِإِنَّ لِلِاهْتِمَامِ وَلَيْسَ ثَمَّ مُتَرَدَّدٌ وَلَا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَتَهُ. وَذِكْرُ مَوَاثِيقِ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
وَالْبَعْثُ أَصْلُهُ التَّوْجِيهُ وَالْإِرْسَالُ، وَيُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى الْإِقَامَةِ وَالْإِنْهَاضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute