للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَقَوْلِهِ: مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا [يس: ٥٢] ، وَقَوْلِهِ: فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ [الرّوم: ٥٦] . ثُمَّ شَاعَ هَذَا الْمَجَازُ حَتَّى بُنِيَ عَلَيْهِ مَجَازٌ آخَرُ بِإِطْلَاقِهِ عَلَى الْإِقَامَةِ الْمَجَازِيَّةِ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [آل عمرَان: ١٦٤] ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى إِثَارَةِ الْأَشْيَاءِ وَإِنْشَاءِ الْخَوَاطِرِ فِي النَّفْسِ. قَالَ مُتَمِّمُ بْنُ نُوَيْرَةَ:

فَقُلْتُ لَهُمْ إِنَّ الْأَسَى يَبْعَثُ الْأَسَى أَيْ أَنَّ الْحُزْنَ يُثِيرُ حُزْنًا آخَرَ. وَهُوَ هُنَا يَحْتَمِلُ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ وَالْمَعْنَى الثَّالِثَ.

وَالْعُدُولُ عَنْ طَرِيقِ الْغَيْبَةِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ إِلَى طَرِيقِ التَّكَلُّمِ فِي قَوْلِهِ:

وَبَعَثْنا الْتِفَاتٌ.

وَالنَّقِيبُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ: إِمَّا مِنْ نَقَبَ إِذَا حَفَرَ مَجَازًا، أَوْ مِنْ نَقَّبَ إِذَا بَعَثَ فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ [ق: ٣٦] ، وَعَلَى الْأَخِيرِ يَكُونُ صَوْغُ فَعِيلٍ مِنْهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَهُوَ وَارِدٌ كَمَا صِيغَ سَمِيعٌ مِنْ أَسْمَعَ فِي قَوْلِ عَمْرو بن معد يكرب:

أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ أَيِ الْمُسْمِعُ.

وَوَصْفُهُ تَعَالَى بِالْحَكِيمِ بِمَعْنَى الْمُحْكِمِ لِلْأُمُورِ. فَالنَّقِيبُ الْمَوْكُولُ إِلَيْهِ تَدْبِيرُ الْقَوْمِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَجْعَلُهُ بَاحِثًا عَنْ أَحْوَالِهِمْ فَيُطْلَقُ عَلَى الرَّئِيسِ وَعَلَى قَائِدِ الْجَيْشِ وَعَلَى الرَّائِدِ، وَمِنْهُ مَا فِي حَدِيثِ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ أَنَّ نُقَبَاءَ الْأَنْصَارِ يَوْمَئِذٍ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا.

وَالْمُرَادُ بِنُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُنَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا رُؤَسَاءَ جُيُوشٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا رُوَّادًا وَجَوَاسِيسَ، وَكِلَاهُمَا وَاقِعٌ فِي حَوَادِثِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.

فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَيُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ الْبَعْثُ مَعَهُ بِمَعْنَى الْإِقَامَةِ، وَقَدْ أَقَامَ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ اثْنَيْ عَشَرَ رَئِيسًا عَلَى جَيْشِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى عَدَدِ الْأَسْبَاطِ الْمُجَنَّدِينَ، فَجَعَلَ لِكُلِّ سِبْطٍ نَقِيبًا، وَجَعَلَ لِسِبْطِ يُوسُفَ نَقِيبَيْنِ،