وَلَمْ يَجْعَلْ لِسِبْطِ لَاوِي نَقِيبًا، لِأَنَّ اللَّاوِيِّينَ كَانُوا غَيْرَ مَعْدُودِينَ فِي الْجَيْشِ إِذْ هُمْ حَفَظَةُ الشَّرِيعَةِ، فَقَدْ جَاءَ فِي أَوَّلِ سِفْرِ الْعَدَدِ: كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى: أَحْصُوا كُلَّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ بِعَشَائِرِهِمْ بِعَدَدِ الْأَسْمَاءِ مِنَ ابْنِ عِشْرِينَ فَصَاعِدًا كُلٌّ خَارِجٌ لِلْحَرْبِ فِي إِسْرَائِيلَ حَسَبَ أَجْنَادِهِمْ، تَحْسِبُهُمْ أَنْتَ وَهَارُونُ، وَيَكُونُ مَعَكُمَا رَجُلٌ لِكُلِّ سِبْطٍ رُؤُوسِ أُلُوفِ إِسْرَائِيلَ «وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: أَمَّا سِبْطُ لَاوِي فَلَا تَعُدَّهُ بَلْ وَكُلُّ اللَّاوِيِّينَ عَلَى مَسْكَنِ الشَّهَادَةِ وَعَلَى جَمِيعِ أَمْتِعَتِهِ» . وَكَانَ ذَلِكَ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ خُرُوجِهِمْ مِنْ مِصْرَ فِي بَرِّيَّةِ سِينَا.
وَأَمَّا الثَّانِي فَيُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ الْبَعْثُ فِيهِ بِمَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ، فَقَدْ بَعَثَ مُوسَى اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ لِاخْتِبَارِ أَحْوَالِ الْأُمَمِ الَّتِي حَوْلَهُمْ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، وَهُمْ غَيْرُ الِاثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا الَّذِينَ جَعَلَهُمْ رُؤَسَاءَ عَلَى قَبَائِلِهِمْ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ مِنْ سِبْطِ أَفْرَايِمَ، وَكَالِبُ بْنُ يَفَنَةَ مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا، وَهُمَا الْوَارِدُ ذِكْرهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ [الْمَائِدَة: ٢٣] ، كَمَا سَيَأْتِي فِي هَذِهِ السُّورَةِ. وَقَدْ ذُكِرَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ سِفْرِ الْعَدَدِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا النُّقَبَاءُ الَّذِينَ أُقِيمُوا لِجُنْدِ إِسْرَائِيلَ.
وَالْمَعِيَّةُ فِي قَوْلِهِ: إِنِّي مَعَكُمْ مَعِيَّةٌ مَجَازِيَّةٌ، تَمْثِيلٌ لِلْعِنَايَةِ وَالْحِفْظِ وَالنَّصْرِ، قَالَ تَعَالَى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ [الْأَنْفَال: ١٢] ، وَقَالَ: إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى [طه: ٤٦] وَقَالَ: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الْحَدِيد: ٤] .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ وَقَعَ وَعْدًا بِالْجَزَاءِ عَلَى الْوَفَاءِ بِالْمِيثَاقِ.
وَجُمْلَةُ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ الْآيَةَ. واستئناف مَحْضٌ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِ أَلْفَاظِ الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَإِنَّمَا جَمَعَهُمَا الْعَامِلُ، وَهُوَ فِعْلُ الْقَوْلِ، فَكِلْتَاهُمَا مَقُولٌ، وَلِذَلِكَ
يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: إِنِّي مَعَكُمْ، ثُمَّ يُسْتَأْنَفُ قَوْلُهُ: لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ إِلَى آخِرِهِ. وَلَامُ لَئِنْ أَقَمْتُمُ مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ، وَلَامُ لَأُكَفِّرَنَّ لَامُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute