وَالتَّعْرِيفُ فِي قَوْلِهِ: الْمُنْذَرِينَ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ، وَهُمُ الْمُنْذَرُونَ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمُ الْمُنْذِرُونَ، أَيْ فَهُمُ الضَّالُّونَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ. فَالْمَعْنَى: فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الضَّالِّينَ الَّذِينَ أنذرناهم فَلم ينتذروا كَمَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ فَاتَّبَعُوهُمْ، فَقَدْ تَحَقَّقَ اشْتِرَاكُ هَؤُلَاءِ وَأُولَئِكَ فِي الضَّلَالِ، فَلَا جَرَمَ أَنْ تَكُونَ عَاقِبَةُ هَؤُلَاءِ كَعَاقِبَةِ أُولَئِكَ. وَفِعْلُ النَّظَرِ مُعَلَّقٌ عَنْ مَعْمُولِهِ بِالِاسْتِفْهَامِ، وَالِاسْتِفْهَامُ تَعْجِيبِيٌّ لِلتَّفْظِيعِ.
وَاسْتُثْنِيَ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ مِنَ الْأَوَّلِينَ اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ كَانُوا مِنْ جُمْلَةِ الْمُنْذَرِينَ فَصَدَّقُوا الْمُنْذِرِينَ وَلَمْ يُشَارِكُوا الْمُنْذَرِينَ فِي عَاقِبَتِهِمُ الْمَنْظُورِ فِيهَا وَهِيَ عَاقِبَةُ السُّوءِ. وَتَقَدَّمَ اخْتِلَافُ الْقُرَّاءِ فِي فَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا مِنْ قَوْلِهِ:
الْمُخْلَصِينَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ [الصافات: ٣٩- ٤٠] .
[٧٥- ٨٢]
[سُورَة الصافات (٣٧) : الْآيَات ٧٥ إِلَى ٨٢]
وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (٧٧) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (٧٨) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (٧٩)
إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٠) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٨١) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٨٢)
أَتْبَعَ التَّذْكِيرَ وَالتَّسْلِيَةَ مِنْ جَانِبِ النَّظَرِ فِي آثَارِ مَا حَلَّ بِالْأُمَمِ الْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ، وَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ مِنْ عَاقِبَتِهِمْ فِي الْآخِرَةِ، بِتَذْكِيرٍ وَتَسْلِيَةٍ مِنْ جَانِبِ الْإِخْبَارِ عَنِ الرُّسُلِ الَّذِينَ كَذَّبَهُمْ قَوْمُهُمْ وَآذَوْهُمْ وَكَيْفَ انْتَصَرَ اللَّهُ لَهُم ليزِيد رَسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَثْبِيتًا وَيُلْقِمَ الْمُشْرِكِينَ تَبْكِيتًا. وَذَكَرَ فِي هَذِه السُّورَة سِتّ قصَص من قَصَصَ الرُّسُلِ مَعَ أَقْوَامِهِمْ لِأَنَّ فِي كُلِّ قِصَّةٍ مِنْهَا خَاصِّيَّةً لَهَا شَبَهٌ بِحَال الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْمِهِ وَبِحَالِهِ الْأَكْمَلِ فِي دَعْوَتِهِ، فَفِي الْقَصَصِ كُلِّهَا عِبْرَةٌ وَأُسْوَةٌ وَتَحْذِيرٌ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ عِنْدَ كُلِّ قِصَّةٍ مِنْهَا، وَيَجْمَعُهَا كُلَّهَا مُقَاوَمَةُ الشِّرْكِ وَمُقَاوَمَةُ أَهْلِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute