[٧٦، ٧٧]
[سُورَة الْقَصَص (٢٨) : الْآيَات ٧٦ الى ٧٧]
إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٧٧)
إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ.
كَانَ مِنْ صُنُوفِ أَذَى أَيِمَّةِ الْكُفْرِ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَمِنْ دَوَاعِيَ تَصَلُّبِهِمْ فِي إِعْرَاضِهِمْ عَنْ دَعْوَتِهِ اعْتِزَازُهُمْ بِأَمْوَالِهِمْ وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ
الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ
[الزخرف: ٣١] أَيْ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الثَّرْوَةِ فَهِيَ عِنْدَهُمْ سَبَبُ الْعَظَمَةِ وَنَبْزِهِمُ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّهُمْ ضُعَفَاءُ الْقَوْمِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ تَوْبِيخُهُمْ عَلَى ذَلِكَ كَقَوْلِهِ وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً [سبأ: ٣٥] وَقَوْلِهِ وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ [المزمل: ١١] الْآيَةَ. رَوَى الْوَاحِدِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ بِأَسَانِيدَ: أَنَّ الْمَلَأَ مِنْ قُرَيْشٍ وَسَادَتِهِمْ مِنْهُمْ عَتَبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَالْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ وَالْحَارِثُ بْنُ نَوْفَلٍ. قَالُوا:
«أَيُرِيدُ مُحَمَّدٌ أَنْ نَكُونَ تَبَعًا لِهَؤُلَاءِ (يَعْنُونَ خَبَّابًا، وَبِلَالًا، وَعمَّارًا، وصهيبا) فَلَو طَرَدَ مُحَمَّدٌ عَنْهُ مَوَالِيَنَا وَعَبِيدَنَا كَانَ أَعْظَمَ لَهُ فِي صُدُورِنَا وَأَطْمَعَ لَهُ عِنْدَنَا وَأَرْجَى لِاتِّبَاعِنَا إِيَّاهُ وَتَصْدِيقِنَا لَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ إِلَى قَوْله بِالشَّاكِرِينَ [الْأَنْعَام: ٥٢، ٥٣] . وَكَانَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْآيَاتِ قَرِيبًا قَوْلُهُ تَعَالَى وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها إِلَى قَوْلِهِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [الْقَصَص: ٦٠، ٦١] كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَدْ ضَرَبَ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلْمُشْرِكِينَ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ بِأَمْثَالِ نُظَرَائِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ فَضَرَبَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ لِحَالِ تَعَاظُمِهِمْ بِأَمْوَالِهِمْ مَثَلًا بِحَالِ قَارُونَ مَعَ مُوسَى وَإِنَّ مَثَلَ قَارُونَ صَالِحٌ لِأَنْ يَكُونُ مَثَلًا لِأَبِي لَهَبٍ وَلِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَبْلَ إِسْلَامِهِ فِي قَرَابَتِهِمَا مِنَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَذَاهُمَا إِيَّاهُ، وَلِلْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ فِي أَذَاهُ لِخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ وَغَيْرِهِ، وَلِلْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ مِنَ التَّعَاظُمِ بِمَالِهِ وَذَوِيِهِ. قَالَ تَعَالَى ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُوداً [المدثر: ١١، ١٢] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ.
فَقَوْلُهُ إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ لِذِكْرِ قِصَّةٍ ضُرِبَتْ مَثَلًا لِحَالِ بَعْضِ كُفَّارِ مَكَّةَ وَهُمْ سَادَتُهُمْ مِثْلُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَلَهَا مَزِيدُ تَعَلُّقٍ بِجُمْلَةِ وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها إِلَى قَوْلِهِ ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [الْقَصَص: ٦٠، ٦١] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute