للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلِهَذِهِ الْقِصَّةِ اتِّصَالٌ بِانْتِهَاءِ قِصَّةِ جُنْدِ فِرْعَوْنَ الْمُنْتَهِيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا [الْقَصَص: ٤٦] الْآيَةَ.

وقارُونَ اسْمٌ مُعَرَبٌ أَصْلُهُ فِي الْعِبْرَانِيَّةِ (قُورَحُ) بِضَمِّ الْقَافِ مُشْبَعَةً وَفَتْحِ الرَّاءِ، وَقَعَ فِي تَعْرِيبِهِ تَغْيِيرُ بَعْضِ حُرُوفِهِ لِلتَّخْفِيفِ، وَأُجْرِيَ وَزْنُهُ عَلَى مُتَعَارَفِ الْأَوْزَانِ الْعَرَبِيَّةِ مِثْلَ طَالُوتَ، وَجَالُوتَ، فَلَيْسَتْ حُرُوفُهُ حُرُوفُ اشْتِقَاقٍ مِنْ مَادَّةِ قَرَنَ.

وَ (قُورَحُ هَذَا ابْنُ عَمِّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ دِنْيَا) ، فَهُوَ قُورَحُ بْنُ يَصْهَارَ بْنِ قَهَاتِ بْنِ

لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ. وَمُوسَى هُوَ ابْنُ عِمْرَمَ الْمُسَمَّى عِمْرَانَ فِي الْعَرَبِيَّةِ ابْنِ قَاهِتَ فَيَكُونُ يَصَاهَرُ أَخَا عِمْرَمَ، وَوَرَدَ فِي الْإِصْحَاحِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ سِفْرِ الْعَدَدِ أَنَّ (قُورَحَ) هَذَا تَأَلَّبَ مَعَ بَعْضِ زُعَمَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ حِينَ جَعَلَ اللَّهُ الْكِهَانَةَ فِي بَنِي هَارُونَ مِنْ سِبْطِ (لَاوِي) فَحَسَدَهُمْ قُورَحُ إِذْ كَانَ ابْنَ عَمِّهِمْ وَقَالَ لِمُوسَى وَهَارُونَ: مَا بَالُكُمَا تَرْتَفِعَانِ عَلَى جَمَاعَةِ الرَّبِّ إِنَّ الْجَمَاعَةَ مُقَدَّسَةٌ وَالرَّبَّ مَعَهَا فَغَضِبَ اللَّهُ عَلَى قُورَحَ وَأَتْبَاعِهِ وَخَسَفَ بِهِمُ الْأَرْضَ وَذَهَبَتْ أَمْوَالُ (قُورَحَ) كُلُّهَا، وَكَانَ ذَلِكَ حِينَ كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى أَبْوَابِ (أَرِيحَا) قَبْلَ فَتْحِهَا. وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ جَعْلَ (قُورَحَ) رَئِيسًا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي مِصْرَ وَأَنَّهُ جَمَعَ ثَرْوَةً عَظِيمَةً.

وَمَا حَكَاهُ الْقُرْآنُ يُبَيِّنُ سَبَبَ نُشُوءِ الْحَسَدِ فِي نَفْسِهِ لِمُوسَى لِأَنَّ مُوسَى لَمَّا جَاءَ بِالرِّسَالَةِ وَخَرَجَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ زَالَ تَأَمُّرُ قارُونَ عَلَى قَوْمِهِ فَحَقَدَ عَلَى مُوسَى. وَقَدْ أَكْثَرَ الْقُصَّاصُ مِنْ وَصْفِ بَذْخَةِ قَارُونَ وَعَظْمَتِهِ مَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ. وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ بُرْهَانٍ.

وَتَلَقَّفَهُ الْمُفَسِّرُونَ حَاشَا ابْنَ عَطِيَّةَ.

وَافْتِتَاحُ الْجُمْلَةِ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِإِفَادَةِ تَأْكِيدِ خَبَرِ إِنَّ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَتَعَلَّقَ بِهِ مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْقِصَّةُ وَهُوَ سُوءُ عَاقِبَةِ الَّذِينَ تَغُرُّهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَتَزْدَهِيهِمْ فَلَا يَكْتَرِثُونَ بِشُكْرِ النِّعْمَةِ وَيَسْتَخِفُّونَ بِالدِّينِ، وَيَكْفُرُونَ بِشَرَائِعِ اللَّهِ لِظُهُورِ أَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ قَارُونَ بِأَنَّهُ مِنْ قَوْمِ مُوسَى لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَتَرَدَّدَ فِيهِ السَّامِعُ حَتَّى يُؤَكَّدَ لَهُ، فَمَصَبُّ التَّأْكِيدِ هُوَ مَا بَعْدَ قَوْلِهِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ الْمُنْتَهِيَةِ بِالْخَسْفِ.