وَجُمْلَةُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ احْتِرَاسٌ لِئَلَّا يَحْسَبُوا أَنَّ الْمَغْفِرَةَ الْمَذْكُورَةَ مَغْفِرَةٌ دَائِمَةٌ تَعْرِيضًا بِأَنَّ الْعِقَابَ حَالٌّ بِهِمْ من بعد.
[٧]
[سُورَة الرَّعْد (١٣) : آيَة ٧]
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (٧)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ الْآيَةَ. وَهَذِهِ حَالَةٌ مِنْ أُعْجُوبَاتِهِمْ وَهِيَ عَدَمُ اعْتِدَادِهِمْ بِالْآيَاتِ الَّتِي تَأَيَّدَ بِهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْظَمُهَا آيَاتُ الْقُرْآنِ، فَلَا يَزَالُونَ يَسْأَلُونَ آيَةً كَمَا يَقْتَرِحُونَهَا، فَلَهُ اتِّصَالٌ بِجُمْلَةِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ [هود: ١٧] .
وَمُرَادُهُمْ بِالْآيَةِ فِي هَذَا خَارِقُ عَادَةٍ عَلَى حِسَابِ مَا يَقْتَرِحُونَ، فَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لِأَنَّ تِلْكَ فِي تَعْجِيلِ مَا تَوَعَّدَهُمْ بِهِ، وَمَا هُنَا فِي مَجِيءِ آيَةٍ تُؤَيِّدُهُ كَقَوْلِهِمْ: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ [الْأَنْعَام: ٨] .
وَلِكَوْنِ اقْتِرَاحِهِمْ آيَةً يَشِفُّ عَنْ إِحَالَتِهِمْ حُصُولَهَا لِجَهْلِهِمْ بِعَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى سِيقَ هَذَا فِي عِدَادِ نَتَائِجِ عَظِيمِ الْقُدْرَةِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الْأَنْعَام:
٣٦] فَبِذَلِكَ انْتَظَمَ تَفَرُّعُ الْجُمَلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَتَفَرُّعُ جَمِيعِهَا عَلَى الْغَرَضِ الْأَصْلِيِّ.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمْ عَيْنُ أَصْحَابِ ضَمِيرِ يَسْتَعْجِلُونَكَ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ ضَمِيرِهِمْ إِلَى اسْمِ الْمَوْصُولِ لِزِيَادَةِ تَسْجِيلِ الْكُفْرِ عَلَيْهِم، وَلما يومىء إِلَيْهِ الْمَوْصُولُ مِنْ تَعْلِيلِ صُدُورِ قَوْلِهِمْ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute