وَصِيغَةُ الْمُضَارِعِ تَدُلُّ عَلَى تَجَدُّدِ ذَلِكَ وَتَكَرُّرِهِ.
ولَوْلا حَرْفُ تَحْضِيضٍ. يُمَوِّهُونَ بِالتَّحْضِيضِ أَنَّهُمْ حَرِيصُونَ وَرَاغِبُونَ فِي نُزُولِ آيَةٍ غَيْرِ الْقُرْآنِ لِيُؤْمِنُوا، وَهُمْ كَاذِبُونَ فِي ذَلِكَ إِذْ لَوْ أُوتُوا آيَةً كَمَا يَقْتَرِحُونَ لَكَفَرُوا بِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ [الْإِسْرَاء: ٥٩] .
وَقَدْ رَدَّ اللَّهُ اقْتِرَاحَهُمْ مِنْ أَصْلِهِ بِقَوْلِهِ: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ، فَقَصَرَ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
صِفَةِ الْإِنْذَارِ وَهُوَ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ، أَيْ أَنْتَ مُنْذِرٌ لَا موجد خوارق عَاد. وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ قَصْرِهِ عَلَى الْإِنْذَارِ دُونَ الْبِشَارَةِ لِأَنَّهُ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ بِالنِّسْبَةِ لِأَحْوَالِهِ نَحْوَ الْمُشْرِكِينَ.
وَجُمْلَةُ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ تَذْيِيلٌ بِالْأَعَمِّ، أَيْ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ لِهَؤُلَاءِ لِهِدَايَتِهِمْ، وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ أَرْسَلَهُ اللَّهُ يُنْذِرُهُمْ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ، فَمَا كُنْتَ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا كَانَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ آيَاتٌ عَلَى مُقْتَرَحِ أَقْوَامِهِمْ بَلْ كَانَتْ آيَاتُهُمْ بِحَسَبِ مَا أَرَادَ الله أَن يظْهر عَلَى أَيْدِيهِمْ.
عَلَى أَنَّ مُعْجِزَاتِ الرُّسُلِ تَأْتِي عَلَى حَسَبِ مَا يُلَائِمُ حَالَ الْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ.
وَلَمَّا كَانَ الَّذِينَ ظَهَرَتْ بَيْنَهُمْ دَعْوَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَبًا أَهْلَ فَصَاحَةٍ وَبَلَاغَةٍ جَعَلَ اللَّهُ مُعْجِزَتَهُ الْعُظْمَى الْقُرْآنَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ. وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى يُشِيرُ
قَوْلُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَا من الْأَنْبِيَاء نبيء إِلَّا أُوتِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
. وَبِهَذَا الْعُمُومِ الْحَاصِلِ بِالتَّذْيِيلِ والشامل للرسول- عَلَيْهِ الصَّلَاة والسّلام- صَارَ الْمَعْنَى إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ لِقَوْمِكَ هَادٍ إِيَّاهُمْ إِلَى الْحَقِّ، فَإِنَّ الْإِنْذَارَ وَالْهُدَى مُتَلَازِمَانِ فَمَا مِنْ إِنْذَارٍ إِلَّا وَهُوَ هِدَايَةٌ وَمَا مِنْ هِدَايَةٍ إِلَّا وَفِيهَا إِنْذَارٌ، وَالْهِدَايَةُ أَعَمُّ مِنِ الْإِنْذَارِ فَفِي هَذَا احْتِبَاكٌ بَدِيعٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute