تَصْرِيحًا بِمَفْهُومِ الْقَصْرِ. وَجِيءَ بِهِ مَعْطُوفًا لِلِاهْتِمَامِ بِهِ لِأَنَّهُ غَرَضٌ مَقْصُودٌ مَعَ إِفَادَتِهِ تَأْكِيدُ الْقَصْرِ وَجَعَلُوا قَوْلَهُمْ: فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ حُجَّةً عَلَى نَفْيِ الْبَعْثِ بِأَنَّ الْأَمْوَاتِ السَّابِقِينَ لَمْ يَرْجِعْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَى الْحَيَاةِ وَهُوَ سَفْسَطَةٌ لِأَنَّ الْبَعْثَ الْمَوْعُودَ بِهِ لَا يَحْصُلُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَهَذَا مِنْ تَوَرُّكِهِمْ وَاسْتِهْزَائِهِمْ.
وَضَمِيرُ جَمْعِ الْمُخَاطَبِينَ أَرَادُوا بِهِ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ لَهُمْ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ [هود: ٧] كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ مَعَ الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ الَّذِي نَزَلَ بِسَبَبِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَداً الْآيَةَ، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَة مَرْيَم [٧٧] .
[٣٧]
[سُورَة الدُّخان (٤٤) : آيَة ٣٧]
أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧)
اسْتِئْنَاف ناشىء عَنْ قَوْلِهِ: وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ [الدُّخان: ١٧] فَضَمِيرُ هُمْ رَاجِعٌ إِلَى اسْمِ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى [الدُّخان:
٣٤، ٣٥] فَبَعْدَ أَنْ ضُرِبَ لَهُمُ الْمَثَلُ بِمَهْلِكِ قَوْمِ فِرْعَوْنَ زَادَهُمْ مَثَلًا آخَرَ هُوَ أَقْرَبُ إِلَى اعْتِبَارِهِمْ بِهِ وَهُوَ مَهْلِكُ قَوْمٍ أَقْرَبُ إِلَى بِلَادِهِمْ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ وَأُولَئِكَ قَوْمُ تُبَّعٍ فَإِنَّ الْعَرَبَ يَتَسَامَعُونَ بِعَظَمَةِ مَلِكِ تُبَّعٍ وَقَوْمِهِ أَهْلِ الْيَمَنِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْعَرَبِ شَاهَدُوا آثَارَ قُوَّتِهِمْ وَعَظَمَتِهِمْ فِي مَرَاحِلِ أَسْفَارِهِمْ وَتَحَادَثُوا بِمَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْهُلْكِ بِسَيْلِ الْعَرِمِ. وَافْتُتِحَ الْكَلَامُ بِالِاسْتِفْهَامِ التَّقْرِيرِيِّ لِاسْتِرْعَاءِ الْأَسْمَاعِ لِمَضْمُونِهِ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ تُبَّعًا وَمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْمُلُوكِ خَيْرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لَيْسُوا خَيْرًا مِنْ قَوْمِ تُبَّعٍ وَمَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ اسْتَأْصَلَهُمُ اللَّهُ لِأَجْلِ إِجْرَامِهِمْ فَلَمَّا مَاثَلُوهُمْ فِي الْإِجْرَامِ فَلَا مَزِيَّةَ لَهُمْ تَدْفَعُ عَنْهُمُ اسْتِئْصَالَ الَّذِي أَهْلَكَ اللَّهُ بِهِ أُمَمًا قَبْلَهُمْ.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ تَقْرِيرِيٌّ إِذْ لَا يَسَعُهُمْ إِلَّا أَنْ يَعْتَرِفُوا بِأَنَّ قَوْمَ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَضْرِبُونَ بِهِمُ الْأَمْثَالَ فِي الْقُوَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute