بِيَاءِ الْغَيْبَةِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ الَّذِي أُمِرَ بِهِ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْكِيًّا بِالْمَعْنَى رُوعِيَ فِيهِ غَيْبَةُ الْمُشْرِكِينَ فِي مَقَامِ الْخِطَابِ بِالْأَمْرِ.
وَمَا مَوْصُولَةٌ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ. وَالتَّقْدِيرُ: مَا يُشْرِكُونَهَا إِيَّاهُ، أَي أصنامكم.
[٦٠]
[سُورَة النَّمْل (٢٧) : آيَة ٦٠]
أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ مَا كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠)
أَمْ مُنْقَطِعَةٌ بِمَعْنَى (بَلْ) لِلْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ مِنْ غَرَضٍ إِلَى غَرَضٍ مَعَ مُرَاعَاةِ وُجُودِ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ أَوْ لَفْظِهِ بَعْدَهَا لِأَنَّ (أَمْ) لَا تُفَارِقُ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ. انْتَقَلَ بِهَذَا الْإِضْرَابِ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ الْحَقِيقِيِّ التَّهَكُّمِيِّ إِلَى الِاسْتِفْهَامِ التَّقْرِيرِيِّ، وَمِنَ الْمُقَدِّمَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ وَهِيَ قَوْلُهُ آللَّهُ خَيْرٌ أما تشركون [النَّمْل: ٥٩] ، إِلَى الْغَرَضِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الِاسْتِدْلَالُ. عَدَّدَ اللَّهُ الْخَيْرَاتِ وَالْمَنَافِعَ مِنْ آثَارِ رَحْمَتِهِ وَمِنْ آثَارِ قُدْرَتِهِ. فَهُوَ اسْتِدْلَالٌ مَشُوبٌ بِامْتِنَانٍ لِأَنَّهُ ذكرهم بِخلق السَّمَوَات وَالْأَرْضِ فَشَمِلَ ذَلِكَ كُلَّ الْخَلَائِقِ الَّتِي تَحْتَوِي عَلَيْهَا الْأَرْضُ مِنَ النَّاسِ وَالْعَجْمَاوَاتِ، فَهُوَ امْتِنَانٌ بِنِعْمَةِ إِيجَادِهِمْ وَإِيجَادِ مَا بِهِ قوام شؤونهم فِي الْحَيَاةِ، وَبِسَابِقِ رَحْمَتِهِ، كَمَا عَدَّدَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الرّوم:
٤٠] .
وَمن لِلِاسْتِفْهَامِ. وَهِيَ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ جُمْلَةٌ خَلَقَ السَّماواتِ.. إِلَخْ وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ تَقْرِيرِيٌّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا تَقْدِيرَ فِي الْكَلَامِ. وَذَهَبَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَجَمِيعُ مُتَابِعِيهِ إِلَى أَنَّ (مَنْ) مَوْصُولَةٌ وَأَنَّ خَبَرَهَا مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ آللَّهُ خَيْرٌ [النَّمْل: ٥٩] وَأَنَّ بَعْدَ (أَمْ) هَمْزَةَ اسْتِفْهَامٍ مَحْذُوفَةً، وَالتَّقْدِيرُ: بَلْ أمّن خلق السَّمَوَات إِلَخْ خَيْرٌ أَمْ مَا تُشْرِكُونَ. وَهُوَ تَفْسِيرٌ لَا دَاعِيَ إِلَيْهِ وَلَا يُنَاسِبُ مَعْنَى الْإِضْرَابِ لِأَنَّهُ يكون من جُمْلَةِ الْغَرَضِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ فِي «الْكَشَّافِ» فَلَا يَجْدُرُ بِهِ إِضْرَابُ الِانْتِقَالِ.
فَالِاسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي نِهَايَتِهِ فِي أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ، فَهُوَ تَقْرِيرٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute